top of page
بحث

ألف اتفاق سلام، أهون من الاتفاق الجديد لوقف النار مع إسرائيل

  • صورة الكاتب: sara john
    sara john
  • 1 سبتمبر
  • 3 دقيقة قراءة
ree

ربما يكون توقيع ألف اتفاقية سلام أهون بكثير من توقيع اتفاقية جديدة لوقف إطلاق النار مع إسرائيل، كما يُروَّج له اليوم.

فقد أنهى اتفاق 31 أيار/مايو 1974 حرب استنزاف قصيرة تلت حرب تشرين، بين سوريا وإسرائيل، وأسّس لآلية متوازنة لوقف إطلاق النار في الجولان. جاء الاتفاق مدعومًا بآليات مراقبة وقيود تسليح، بضمانة دولية، وصادق عليه مجلس الأمن عبر قراره رقم 350 في اليوم نفسه، مكلفًا قوات الأمم المتحدة (UNDOF) بالإشراف عليه.

نص الاتفاق على تقسيم المنطقة إلى منطقتين (A و B) تفصل بينهما منطقة فصل منزوعة السلاح، تحت رقابة الأمم المتحدة. كما وُضعت منطقتان متماثلتان على جانبيها، لتحديد القوات والتسليح، مع الاتفاق على تبادل الأسرى وفق جدول زمني محدد.

لاحقًا، تم فرض قيود إضافية على نشر صواريخ أرض-جو ضمن شريط بعرض 10 كم، وذلك بموجب وثيقة أمريكية مكمّلة. عمليًا، رسم هذا الاتفاق إطارًا لهدنة مؤسسية سمحت باستقرار نسبي للصراع السوري الإسرائيلي لسنوات طويلة.

المشهد الحالي: عربة المفاوضات دون فرامل

في وقت تكتسح فيه إسرائيل الإقليم، وتُعيد تشكيله على هواها، متنمّرةً على العرب وغير العرب، ومع ضغط الإدارة الأمريكية لتحقيق مكاسب سياسية للرئيس ترامب في طريقه لنيل جائزة نوبل للسلام، نجد عربة المفاوضات السورية-الإسرائيلية تتدحرج بلا كوابح.

لكن، من قال إن السوريين، أو حتى العرب، يرحبون باتفاق من هذا النوع؟

ذرائع إسرائيل العلنية في احتلالها للنقاط الخمس

تسوق إسرائيل عدة ذرائع لتبرير احتلالها للنقاط الخمس في الجولان وقصفها المتكرر لمواقع داخل سوريا:

إزالة بقايا القدرات العسكرية السورية، بزعم منع سقوطها في يد الإرهابيين. → يفترض بالحكومة السورية الرد بأن إسرائيل تعرف جيدًا أن ما تبقى من قدرات سوريا لا يُعتد به، وأنها تحتاج ثلاثين عامًا على الأقل لاستعادة قدراتها الردعية.

استهداف مواقع حزب الله والميليشيات الإيرانية. → الرد المنطقي هو أن إيران اليوم ليست قادرة على إحياء أذرعها العسكرية، بل إن المعطيات تشير إلى أنها تعيد صياغة استراتيجيتها باتجاه قومية فارسية مكتفية ذاتيًا. وفي جميع الأحوال، على سوريا أن تستعيد التجنيد الإجباري كأداة لتوحيد مكونات الشعب، وتأسيس بوتقة وطنية تقف في وجه أي تدخل، سواء من إيران أو إسرائيل.

إبعاد الجهاديين السلفيين عن الحدود ومنع تكرار تجربة حماس. → ويُفترض أن ترد الحكومة السورية بإعادة فرض سيطرتها على جميع التشكيلات الجهادية، لا سيما تلك التي تنضوي ضمن أو تدين بالولاء لما يسمى "الجيش السوري الجديد".

فرض منطقة منزوعة السلاح بعمق 60 كيلومترًا، تشمل دمشق. → يمكن لسوريا تقديم ملحق مشابه لما سبق، من دون المساس بدفاعات العاصمة أمام أي عدوان محتمل.

ما تريده إسرائيل فعلًا

الحقيقة أن مطالب إسرائيل تتجاوز كثيرًا هذه الذرائع. فهي تسعى، دون مقابل أو التزام، إلى فرض نصر عقابي نهائي ليس فقط على الفلسطينيين، بل على الشعب السوري بأكمله. وفي المقابل، لا تعرض سوى دعم النظام القائم والمشاركة في جهود الإعمار. (ونحن نقول: "بالوعد يا كمون!").

ما تسعى إليه إسرائيل هو اتفاق يُقيد السيادة السورية بالكامل، ويمنعها من أن تكون دولة موحدة وسيدة قرارها. تسعى لكسر الفكرة الوطنية السورية ذاتها، وتحويل سوريا إلى كيان تابع ضعيف، لا يملك استقلاله.

السيادة قبل كل شيء

الشعب السوري استفاد من انحسار الهيمنة الإيرانية والروسية، لكن هذا الإنجاز تحقق بتضحيات جبارة، لا بفضل إسرائيل. ولا تكتمل حرية الشعب إلا ببسط سيادته الكاملة على قراره ومصيره. فالسيادة ليست نكاية بإيران أو روسيا، بل دفاع عن الكرامة السورية أمام العالم، وقبل كل شيء أمام إسرائيل.

في ظل هذا الواقع، تسعى إسرائيل لاستغلال لحظة الضعف السوري لفرض شروط تمس جوهر السيادة الوطنية، وليس من واجب سوريا القبول بها. فما تملكه إسرائيل من أدوات تحكم مالي، وتغلغل أمني داخل سوريا، وقيود على الاتصالات والمعلومات الحساسة، لم يعد كافيًا لها. إنها تريد الوصول إلى نخاع القرار السيادي السوري.

اتفاقية بلا سيادة = ارتهان

تحرير النقاط الخمس لا يبرر على الإطلاق الاستجابة للشروط الإسرائيلية المصيرية. بل، كما حدث عام 1974، يكفي توقيع وثيقة مع الولايات المتحدة تُوسع فيها المناطق العازلة وتؤكد سوريا من خلالها على التزامها بعدم شن أعمال عدائية ضد إسرائيل أو دعم جهات مناوئة لها.

أما أي اتفاق جديد، فإنه سيضعف اتفاق 1974، ويُخضع الأمن السوري لمشيئة ضباط الاستخبارات الإسرائيلية.

تساؤلات مشروعة

من قال إن العرب يوافقون على هذا الاتفاق أو يشعرون بالراحة تجاهه؟

من قال إن الجوار الإقليمي والأوروبي مرتاح لتثبيت الهيمنة الإسرائيلية بهذه الطريقة؟

من قال إن إسرائيل ستكف عن الاعتداء بعد توقيع الاتفاق؟

من قال إن إسرائيل تسعى فعلًا للسلام؟ ألا نسمع ما يقوله نتنياهو؟

من قال إن السلام سيسود المنطقة حتى بعد غزة، أو أن إسرائيل ستتوقف عن التوسع؟

من قال إن ترامب سينال نوبل فعلًا؟

في الخلاصة

بالنسبة لنا كسوريين، لا قيمة لأي اتفاق سلام لا يُثبت السيادة الوطنية والإرادة الحرة للشعب. ما عدا ذلك، فهو ارتهان لا يحمي سوريا لا في باريس ولا في البيت الأبيض.

بل، في هذه الحالة، فإن توقيع اتفاقية سلام نهائية مع إسرائيل، تُنهي الصراع وتضمن السيادة الوطنية، سيكون خيارًا أكثر احترامًا لكرامة سوريا.

أما اتفاق بلا سيادة، فهو، كما يقول المثل، "بالوعد يا كمون!"


 
 
 

تعليقات


© 2020 مجموعة إنسايت الاستشارية

  • LinkedIn Social Icon
  • Twitter Social Icon
bottom of page