top of page
بحث

الشرق الأوسط قبائل متنازعة وخرائط أميركية غامضة

  • صورة الكاتب: sara john
    sara john
  • 3 أكتوبر
  • 5 دقيقة قراءة

ree

في سياق الجدل حول مدى ارتباط مفهوم الدولة الوطنية الحديثة بدول الشرق الأوسط في الاستراتيجية الأميركية، جاءت تصريحات المبعوث الأميركي توم باراك لتبرز رؤية دوائر صنع القرار في واشنطن تجاه بنية الكيانات السياسية القائمة في المنطقة، والنظر إلى جغرافيا الشرق الأوسط من خلال ارتكازات قبلية ومجتمعية ودينية أكثر مما تقوم على مبادئ الدولة الحديثة.

في هذا الإطار، قال المبعوث الأميركي توم باراك، خلال تصريحات صحافية: “لا يوجد شرق أوسط، بل قبائل وقرى”، مشيرًا إلى أن الدول القومية في المنطقة نشأت بفعل البريطانيين والفرنسيين عام 1916 من خلال اتفاقية “سايكس – بيكو”. وتابع باراك قائلًا: “الدول القومية في منطقة الشرق الأوسط قامت على يد البريطانيين والفرنسيين... وكما قالت سايكس – بيكو: سنأخذ ما يُعرف بالإمبراطورية العثمانية ونرسم خطوطًا مستقيمة حولها، ونطلق عليها اسم الدول القومية. لكن الشرق الأوسط لا يعمل بهذه الطريقة، إذ بدأ بالفرد ثم العائلة ثم القرية فالقبيلة فالمجتمع والدين، ليكوّن أخيرًا مفهوم الدولة”. واستطرد باراك: “الاعتقاد بإمكانية توحيد 27 دولة مختلفة في المنطقة، تضم 110 مجموعات عرقية، على موقف سياسي واحد، هو مجرد وهم”.

من هنا، تبدو مقاربة الولايات المتحدة الأميركية تجاه منطقة الشرق الأوسط وقضاياها متسمة بالكثير من الغموض، إذ تتعامل واشنطن مع الإقليم انطلاقًا من أهدافها المرتبطة بمواجهة خصومها الاستراتيجيين، الصين وروسيا، وذلك عبر منطق الصفقات والمصالح المباشرة. وهكذا تعكس السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، ولا سيما خلال إدارة الرئيس ترامب، انحيازاتها الواضحة نحو ملفات أمن الطاقة، وضمان تفوق إسرائيل، ومكافحة الإرهاب، وحماية الممرات الاستراتيجية، وتقويض الخطر الإيراني. هذا المنظور، بحسب محللين، يجعل الولايات المتحدة تنظر إلى جغرافيا الشرق الأوسط كحيّز قابل لإعادة التشكيل وفق حساباتها الخاصة، سواء عبر مشاريع تحالفات مرنة، أو من خلال إعادة ترتيب الحدود والوظائف الاقتصادية والأمنية. وبذلك، يقترب الموقف الأميركي من خليط براغماتي اقتصادي–أمني لا يقرّ سوى مفهوم “الاستقرار الوظيفي”، الذي يتيح مسارات إدارة النفوذ وتوازن القوى.

في هذا السياق، يشير الدكتور برنارد هيكل، أستاذ دراسات الشرق الأوسط في جامعة برنستون الأميركية، في تصريحات لـ“+963” إلى أن الآراء التي عبّر عنها السفير باراك لا تعكس آراء الرئيس ترامب، بل تعكس مواقفه الخاصة فقط. ويشدد هيكل، في حديثه، على أنه بناءً على ذلك لا يمكن التوصل إلى أي استنتاج بشأن السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، لأن السفير باراك ينفذ سياسة الرئيس ترامب، وهذه السياسة تتغير باستمرار اعتمادًا على فرص الصفقات التي يحددها الرئيس. كما يوضح أن حكومة الولايات المتحدة لا تمتلك استراتيجية أو وجهة نظر موحدة أو متسقة تجاه المنطقة، بل إن جميع السياسات تقوم على طابع معاملاتـي، وقابلة للتغيير في أي وقت. ويخلص الأكاديمي الأميركي إلى أن الرئيس دونالد ترامب يعامل كل دولة على حدة، وليس لديه رؤية جماعية للمنطقة، على الرغم من أنه يدرك أن حلفاءه، مثل تركيا أو المملكة العربية السعودية، لديهم رؤية واحدة. وهو يتشارك مع كل من الرياض وأنقرة الرغبة في منطقة مزدهرة اقتصاديًا ومستقرة، لأن ذلك من شأنه أن يفيد المصالح الأميركية، وخاصة التجارية والعسكرية.

من جانبه، يرى الدكتور سمير التقي، الباحث في معهد واشنطن، أن الدبلوماسية الأميركية تمر بمرحلة انتقالية تعيش فيها الإدارة الأميركية صراعًا حول آفاق التحالفات في الإقليم. وأوضح أن الأمر لا يقتصر على الشرق الأوسط فحسب، بل يرتبط بموقع الولايات المتحدة في العالم. ولفت إلى أن واشنطن باتت تميل إلى إعلان نفسها غير مسؤولة عن الأمن العالمي بشكل مطلق، وإنما إلى ممارسة قوتها وفرض مصالحها الانتقائية حيثما تشاء، وبالقدر الذي يخدم حساباتها الخاصة. ويشير التقي في تصريحات لـ“+963” إلى أن الموقف المثالي الذي تسعى إليه الولايات المتحدة هو إنشاء تحالف إقليمي يوازن خصومها الاستراتيجيين، أي روسيا والصين. وفي هذا الإطار، يُعرّف بـ“ناتو الشرق الأوسط”، غير أن هذا المسار يواجه ارتباكًا كبيرًا في هذه المرحلة. ويضيف: “نترقب تطوراتٍ مهمة في هذه الأيام، أبرزها موقف الرئيس ترامب من حسم الوضع في غزة، وكذلك الموقف من مسألة أساسية تتعلق بتفويض ودعم دور عربي مركزي في جهود التعافي سواء في غزة أو لبنان أو سوريا أو حتى العراق”. وفي سياق آخر، يوضح التقي أن نتنياهو رهن السياسة الأميركية لفترة طويلة، ورأى أن سياسة واشنطن بدورها أصبحت أسيرة لهذا التأثير، ما أدى إلى تراجع دورها الاستراتيجي وقدرتها على المبادرة. ويؤكد على أن دلائل هذا التراجع تتجلى في مداولات الأمم المتحدة، وفي الموقف من الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وفي فتور الاهتمام بحل الدولتين. ويخلص إلى أن هذه هي المرة الأولى منذ عام 1956 التي تظهر فيها مبادرة دولية تشارك فيها أوروبا بمعزل عن السياسة الأميركية الرئيسية، وهو ما يشير إلى محاولة أميركية لإيجاد مخارج تفاديًا لمواجهة مباشرة. ويبيّن التقي أن السياسة الأميركية لا تزال حتى الآن رهينة لمواقف نتنياهو، خاصة فيما يتصل بتصريحات توم باراك، وإعادة رسم خرائط المنطقة، وخطوط الطاقة. ويعتبر أن باراك يطرح رؤيته من منظور يميني متطرف يرى أن الشرق الأوسط يجب أن يُعاد تشكيله ككيانات طائفية، وأن بعض الدول “فاشلة” ينبغي إعادة رسم حدودها. وهو طرح قد يقود إلى مراجعة الحدود السورية–اللبنانية، ومستقبل طرابلس، وكذلك تقسيم الدولة العراقية إلى مناطق متعددة. ويرى التقي أن الولايات المتحدة، في ظل هذه المرحلة الانتقالية، غير قادرة على إجراء التحولات الكبرى التي تتحدث عنها في الشرق الأوسط. ويضيف أن فقدانها للمبادرة يحول دون قدرتها على فرض خرائط جديدة أو صياغة شرق أوسط مغاير، وأن واشنطن قد تتصور تحالفًا عربيًا–إسرائيليًا لا يكون موجّهًا بالضرورة ضد إيران، إذ إن إيران، بحسب تعبيره، تمر بتحولات تجعلها أقل خطرًا مما كانت عليه، لكنها تبقى دولة ذات سياسات عسكرية واستراتيجية إقليمية قادرة على تفعيلها من داخل أراضيها. كما يلفت التقي إلى أن معظم الدول العربية والخليجية أبرمت تسويات استراتيجية مع إيران، وتوصلت إلى توافقات في عدة قضايا، خصوصًا بعد تراجع نفوذ بعض أذرعها. وأكد أن طهران لم تعد تستثمر في أذرعها بالقدر السابق، بل باتت تركز على بناء ردعها القومي من داخل أراضيها. ومن ثم، فإن واشنطن تعيد ترتيب أوراقها في المنطقة من منظور التحالفات بين الدول، في حين أن محاولة إعادة النظر في بنية الدول قد تُمنى بالفشل، بل قد تعمّق فشل السياسة الأميركية إذا جرى المضي بها. ويحذّر التقي من أن دفع لبنان إلى حافة الانفجار قد يفضي إلى تقسيمه، وهو ما لن تتمكن الولايات المتحدة من ضبط تبعاته، والأمر ذاته ينطبق على سوريا. ويختتم بالقول إن منح “البطاقة البيضاء” للمستوطنين لتطبيق تصورهم عن الدولة الإسرائيلية وإحداث تغيرات ديموغرافية وسياسية جذرية، إلى جانب الطروحات التي يطرحها باراك، قد يقود في نهاية المطاف إلى فشل واسع النطاق للسياسة الأميركية في المنطقة.

من جانبه، يقول سالم الجميلي، مدير شعبة أميركا في المخابرات العراقية سابقًا، في حديثه إلى “+963”: إن السياسة الأميركية في الشرق الأوسط تعكس هيمنة رجال الأعمال على دوائر القرار، الأمر الذي يجعلها تُرسم وفق منظور اقتصادي–استثماري بالدرجة الأولى. فالولايات المتحدة لا تتعامل مع الشرق الأوسط بوصفه وحدة جغرافية متماسكة، بل كمجال حيوي تحدده مصالحها المباشرة: أمن الطاقة، حماية إسرائيل، مكافحة الإرهاب، وضمان أمن الممرات الاستراتيجية. ولهذا يتجنب بعض مبعوثيها استخدام مصطلح “الشرق الأوسط” كمفهوم موحّد، ويفضّلون التعامل معه كسلسلة ملفات منفصلة. ويمثل—والحديث ما زال للمصدر ذاته—خطاب توم باراك مؤشرًا واضحًا على اتجاه داخل النخبة الأميركية ينظر إلى مستقبل المنطقة من خلال البوابة الاقتصادية والاستثمارية، في إطار بيئة أمنية مستقرة، أكثر من النظر إليها عبر المقاربة السياسية التقليدية، مع الدفع باتجاه دمج إسرائيل في منظومة إقليمية جديدة. غير أن هذه الرؤية، بحسب الجميلي، لا تعكس إجماعًا أميركيًا، بل تعبّر عن تيار محدد يواجهه تيار آخر أكثر رسوخًا ينتمي إلى المدرسة الأمنية–العسكرية التقليدية.


 
 
 

تعليقات


© 2020 مجموعة إنسايت الاستشارية

  • LinkedIn Social Icon
  • Twitter Social Icon
bottom of page