أخطر ما في اللحظة أن تستمرئ «حماس» الفرصة
- sara john
- 7 أكتوبر
- 4 دقيقة قراءة

[السياق والقبول الجزئي]
في ظل ضغوط فلسطينية وعربية متزايدة، قبلت حركة «حماس» جزئياً بخطة ترامب للسلام، تاركةً عناصر جوهرية في القرارات المصيرية المتعلقة بمستقبل قطاع غزة والصراع الفلسطيني الإسرائيلي دون إجابة حاسمة. فلا هي وافقت على بنود الخطة بشكل صريح، ولا فوضت السلطة الفلسطينية التفاوض بشأنها، ولا أعلنت التزامها بمحددات النضال الفلسطيني كما حددتها منظمة التحرير الفلسطينية بصفتها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
[فراغ القرار وموقع نتنياهو]
في هذا الفراغ، يبقى مصير القطاع والشعب الفلسطيني ومستقبل الصراع رهيناً بـ"رحمة" رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي لن يدّخر جهداً في إقناع الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعدم جدوى خطته، والدفع نحو خيار إعادة احتلال قطاع غزة بالكامل، بما يحمله ذلك من مذابح ومآسٍ إضافية للفلسطينيين. كل ذلك يتم تحت غطاء أميركي ودولي بات أوسع من أي وقت مضى، مقارنةً بما شهدته الاتفاقيات السابقة.
[تحركات دبلوماسية وتموضُع دولي]
لقد نجح ترامب في تحييد المعارضة الداخلية في الحكومة الإسرائيلية، ومهّد الطريق عبر سلسلة من التحركات الدبلوماسية الإقليمية والدولية. كما تمكّن من إسكات الأصوات المعارضة داخل إدارته، بل ونجح في كسب تأييد روسيا، ليعلن الرئيس فلاديمير بوتين دعمه المباشر للمبادرة الأميركية.
[تليين الموقف الإسرائيلي وإشراك تركيا وقطر]
وفي تطور لافت، استطاع ترامب أن يُليّن الموقف الإسرائيلي الرافض لأي دور عربي أو إسلامي في مرحلة ما بعد الحرب، وخاصة في إدارة القطاع خلال مرحلة التعافي. كما ضمّ إلى خطته كلاً من تركيا وقطر، مقدماً لتركيا إغراءات استراتيجية، من بينها مهلة إضافية للحصول على الغاز الروسي الرخيص، وتمهيد الطريق لعودتها إلى برنامج طائرات F-35 الأميركية.
[موقف إيران وضمانات لحماس]
أما إيران، فقد أحجمت عن عرقلة الخطة، واكتفت بتشكيك خافت لا يُقارن بنبرتها المعتادة، فيما قدمت إدارة ترامب ضمانات أمنية لقيادة «حماس» ومقاتليها، سواء قرروا البقاء في غزة أو مغادرتها.
[أيام حاسمة ومقاربات جديدة]
ستكون الأيام المقبلة حاسمة في اختبار قدرة الفلسطينيين على اقتناص فرصة ترامب، بما تحمله من تعديل نسبي ـ وإن محدود ـ في مقاربة الإدارة الأميركية للأزمة في غزة.
[بدء مفاوضات شرم الشيخ وخرائط الانسحاب]
ومع بدء المفاوضات المرتقبة في شرم الشيخ، تطرح الولايات المتحدة خرائط تفصيلية أعدها خبراؤها الأمنيون والعسكريون لانسحاب القوات الإسرائيلية من غزة، يُنتظر أن توقّع عليها كل من إسرائيل وقيادة «حماس»، ما سيفضي إلى وقف القصف، ثم تبادل الرهائن بعد انتهاء المهلة المحددة لحماس.
[قيادة أميركية لمرحلة ما بعد الحرب]
صحيح أن تصدّر واشنطن إدارة مرحلة ما بعد الحرب في غزة يُعد فرصة نادرة، لكنها ليست بأي حال من الأحوال مناسبة للمناورة أو كسب الوقت. بل تمنح هذه اللحظة التاريخية فرصة لاستعادة الشرعية الفلسطينية المتمثلة بالسلطة ومنظمة التحرير، التي دعمها المجتمع الدولي سابقاً عبر مبادرات، أبرزها المبادرة السعودية والفرنسية الرامية للاعتراف بالدولة الفلسطينية وفق حل الدولتين.
[قواعد صراع جديدة إن أُفرج عن الرهائن]
إذا سارت الأمور كما هو مرجو، وتم الإفراج عن الرهائن، فإن قواعد الصراع ستتبدل جذرياً.
[نهاية الدور التفاوضي لحماس وترتيبات انتقالية]
ففي تلك الحالة، ينتهي الدور التفاوضي لحركة «حماس» في غزة، وسيُصبح من الضروري الإسراع في تشكيل إطار عربي ـ دولي يتولى إدارة المناطق التي تنسحب منها إسرائيل. ويستعد نحو 1500 عنصر من الشرطة الفلسطينية، الذين تلقّوا تدريباتهم في مصر، للدخول واستلام مهامهم في المرحلة الأولى من الانتقال.
[فتح المجال للجنة إدارة القطاع وعودة السلطة]
هذا الترتيب سيفتح المجال أمام اللجنة الفلسطينية المكلفة بإدارة القطاع، بعيداً عن «حماس»، ما يعزز فرص عودة السلطة الفلسطينية إلى موقعها التفاوضي بوصفها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني.
[رهان إسرائيلي على التعثر ومخاطر المرحلة]
ومع أن الحكومة الإسرائيلية قبلت خطة ترامب على مضض، إلا أنها تراهن على إمكانية تعثرها، وربما على تصرفات متشددة من داخل «حماس» لقلب الطاولة. فحتى في حال سلاسة المرحلة الأولى، هناك مخاطر جدية من أن تتعثر الخطة، لتقتصر صلاحيات السلطة الانتقالية على المناطق غير المحصّنة أمنياً، مع احتفاظ بعض المكونات المسلحة بهياكلها العسكرية، ما يعيد إنتاج حالة الانقسام الجغرافي والسياسي في غزة، ويحول السلطة إلى كيان صوري لا يتجاوز وجوده الحد الأدنى على الأرض.
[مبادرة توني بلير]
في هذا السياق، تُمثّل مبادرة توني بلير محاولة جريئة لإعادة هيكلة نظام الحكم في غزة، وربما إعادة تفعيل المسار السياسي برمته.
[تحديات بنيوية وخبرة انتقالية]
لكن التحديات البنيوية جسيمة. فالرجل الذي شغل سابقاً منصب مبعوث الرباعية الدولية (2007-2015) لم يحقق إنجازات تُذكر، وتعرّض لانتقادات حادة لانحيازه لإسرائيل. غير أن اقتراحه بشأن غزة، بالنظر إلى خبرته في إدارة مراحل انتقالية دولية (مثل كوسوفو وتيمور الشرقية)، يترك مجالاً لبعض الأمل في النجاح، شريطة كبح الطموحات الإسرائيلية بالسيطرة الأمنية الشاملة على القطاع.
[متطلبات الإدارة الانتقالية]
نجاح أي إدارة انتقالية سيتطلب تنسيقاً محكماً بين أطراف عدة: الولايات المتحدة، إسرائيل، مصر، قطر، السعودية، الأردن، الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي. وسيكون لأي خلل أو تضارب مصالح بينها أثر فادح، قد يعيد الأمور إلى نقطة الصفر.
[عقبات متوقعة ومنظور «نظرية الألعاب»]
ولعلّ من أبرز التحديات المطروحة: عجز السلطة عن إنفاذ الأمن، ومقاومة قوى الفساد، وضعف القدرة المؤسسية، وتعقيد التنسيق. ومن منظور نظرية الألعاب، فإن على السلطة الانتقالية أن تُعيد هندسة ميزان المكاسب، بحيث يصبح التعاون خياراً أكثر عقلانية لجميع الأطراف ـ إسرائيل، «حماس»، والسلطة الفلسطينية ـ من النكول والتصعيد.
[ضمانات ومساعدات وإشارات إنصاف]
يتطلب ذلك ضمانات أمنية موثوقة، ومساعدات مشروطة، وتكاليف دبلوماسية واضحة، إضافة إلى إشارات جادة حول الحياد والإنصاف، وقبول فلسطيني محلي واسع.
[تحذير لحماس من وهم الوقت]
في ضوء ما سبق، سيكون من الخطأ القاتل أن تعتقد «حماس» أنها تملك ترف الوقت والمراوغة، أو أن هناك انقلاباً دولياً لصالحها، أو أن بإمكانها، بصفتها حركة جهادية إسلامية، أن تماطل وتستمر في القتال بلا سقف زمني.
[اعتراضات داخلية مرتبطة بإيران]
هناك مؤشرات واضحة على تصاعد اعتراضات مناصري إيران داخل أوساط «الإخوان المسلمين» المرتبطين بخط طهران داخل «حماس»، كما أن بعض الجهات المرتبطة بإيران خارج الحركة قد ترفض خطة ترامب، رغم موافقتها الظاهرية على وقف إطلاق النار.
[ليست تهديدات فارغة]
ولا يبدو أن الإدارة الأميركية تلوّح بتهديدات فارغة، بل إنها تعني ما تقول. ويكفي أن نستحضر التجربة الإيرانية، حين ظنّت طهران أنها تستطيع مواصلة لعبة التفاوض، التي تعشقها، في ملفها النووي، لتجد نفسها في مواجهة استراتيجية خاسرة أمام واشنطن وتل أبيب.




تعليقات