المصالحة الوطنيّة: الممرّ الإجباري لإنقاذ سوريا

أعتقد أنّ من لا يلاحظ التدهور المتزايد في علاقات السوريين ببعضهم إنّما يغمض عينيه عن الواقع. القضيّة الأساسيّة، اليوم، ليست كم دبّابة إضافيّة نُنزل إلى الشارع، ولا أيّ خطابٍ انتصاريّ نردّده، بل كيف نجترح صيغًا حقيقيّة للمصالحة الوطنيّة ضمن إطار الدولة.

إنّ بنية الدولة نفسها محلّ نقاش بين السوريين: أيّ نموذجٍ نريد؟ وكيف نبني جيشًا يَصلُح لأن يكون جيشًا لكلّ السوريين لا لطائفةٍ أو حزب؟ هذه أسئلةٌ لا يمكن الإجابة عنها بالقوّة. في رأيي، كلّ منطقٍ يقوم على «الحسم العسكري» هو وصفةٌ مضمونة لتقسيم البلاد، لأنّ أعمال العنف تدور في حلقةٍ مفرغة ينخرط فيها أطرافٌ متعدّدون، وكلّ طرفٍ يراهن في النهاية على قوّةٍ خارجيّة: من يذهب إلى إسرائيل، من يذهب إلى روسيا، من يذهب إلى إيران أو إلى الولايات المتّحدة.

الانفلات الأمني الذي نراه اليوم مرتبطٌ بمنظومة ولاءٍ خاطئة داخل الأجهزة؛ كلّما ازداد الخطاب تعصّبًا، ارتفع «مستوى الإخلاص» في سُلّم الترقي. هذا مسارٌ شديد الخطورة. لذلك أدعو صراحةً إلى إعادة الخدمة الإجباريّة: فالجيشُ ـــ في كلّ الأوطان ـــ هو البوتقة التي يتثقّف فيها الشباب ويتصقلون حضاريًّا، شريطة ألّا يكون نسخةً أخرى من جيشٍ مسيَّس على طريقة نظام الأسد. نحتاج إلى جيشٍ يُدمَج فيه الجميع على مفهومٍ موحّد للوطن، تحت دولةٍ حياديّة في الصراعات الطائفيّة.

إعادة صياغة الوحدة الوطنيّة وصهرها تتطلّبان جهدًا كبيرًا، لكنّها الطريق الوحيدة. فسوريا لن تستقيم بخطابٍ عصبويّ يُخوِّن الآخر ويُقصيه، ولن تُدار إلى ما لا نهاية بسلطة الدبابة أو بولاءٍ خارجيّ يتغيّر بتغيّر المزاج الدولي. لا بدّ من مفاوضات حقيقيّة – لا مجرّد حوارٍ شكليّ – بين مختلف المكوّنات السياسيّة والاجتماعيّة كي نعيد تعريف الدولة والجيش، ونُبدّل منظومة الولاء الضيّق بولاءٍ للوطن وحده.

من دون ذلك، سيبقى كلّ تقريرٍ عن أعداد الضحايا مجرّد رقمٍ جديد يُضاف إلى سلسلة أرقام، بينما تتكرّس الحلقة المفرغة ذاتها: عنفٌ يولّد انقسامًا، وانقسامٌ يستدعي مزيدًا من العنف. الطريق إلى الخروج معروف: مصالحة وطنيّة حقيقيّة، وجيشٌ وطنيّ جامع، ودولةٌ محايدة تجاه طوائفها، لا وسيطًا بين الخارج وأبنائها.