top of page
بحث

ليست الاتفاقات "ردًّا على دول محددة فلماذا تقلق إسرائيل؟

  • صورة الكاتب: sara john
    sara john
  • 30 سبتمبر
  • 4 دقيقة قراءة
ree

في أكثر من مناسبة، تناولتُ في مقالات سابقة تداعيات تفكك النظام الدولي، وما يرافقه من اندفاع بعض القوى الإقليمية إلى استغلال هذا الفراغ الجيوسياسي الناتج عن انحسار عالم القطب الواحد، في محاولةٍ لفرض هيمنتها على محيطها الجغرافي. وقد يؤدي ذلك بدوره إلى بروز ردود فعل مقابلة من قبل الدول المهددة، تسعى من خلالها إلى استعادة قدراتها على الردع الاستراتيجي، سواء في صورته التقليدية أو غير التقليدية.


ولم تمضِ فترة طويلة حتى كشفت إسرائيل، بعنجهيتها المعهودة، عن رغبتها في تقويض كل مقومات السلام في المنطقة، وتكريس هيمنة مطلقة لا تقيم وزناً لأي توازنات.


وعندما قامت إسرائيل بشنّ عدوان على قطر، كتبتُ في مقالي الأخير في هذه الصحيفة المرموقة تحليلاً تناول دلالات هذا الاعتداء، وما سينجم عنه من تحولات استراتيجية. وقلت حينها:

"مرة أخرى، وردًّا على هذه السياسات، ستسعى كل دولة تمتلك القدرة في الإقليم إلى استعادة أدوات ردعها القومي، بكافة أنماطه المتاحة، التقليدية منها وغير التقليدية. وسنشهد ملامح هذه التحولات قريبًا."


وكتبت أيضًا: "لهذا السبب، ترى بعض الأوساط الإسرائيلية المتطرفة في المملكة العربية السعودية خصمًا إقليميًا رئيسيًا."

وعلى الرغم من المحاولات الدبلوماسية المتكررة لتلميع المواقف وتجميل الصورة حفاظًا على ماء وجه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، إلا أن ما يمكن استنتاجه من الضربة الإسرائيلية هو أن ترامب قد سمح بإغلاق الباب أمام جميع التفاهمات التي أسفرت عنها زياراته للخليج، وترك المجال مفتوحًا لنتنياهو ليعبث بالمشهد الإقليمي.


والواقع أن دول الخليج – وقد كانت قطر هذه المرة في الواجهة – تعرضت لضربتين مباشرتين: الأولى من إيران، والثانية من إسرائيل، وكلتاهما جرتا في ظل تنسيق – ضمني أو صريح – مع الولايات المتحدة. إذ يصعب تصوّر وقوع مثل هذه الضربات، وبتلك الصورة، من دون علم واشنطن، بل ومن دون موافقة مباشرة من ترامب نفسه.


وبعد ساعات من نشر المقال، شهدت العاصمة السعودية الرياض لقاءً بارزًا جمع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان برئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف، بحضور القائد العام للجيش الباكستاني، الجنرال عاصم منير، وذلك احتفالًا بتوقيع اتفاقية دفاعية مهمة بين البلدين.


صحيح أن الهجوم الإسرائيلي على قطر لم يحقق أهدافه، بل كان فاشلًا بكل المقاييس العسكرية، إلا أنه في المقابل أدى إلى انهيار واضح في مصداقية الردع الأمريكي، بل وفي مصداقية منظومة التحالفات الغربية بأكملها.


لقد حاولت دول الخليج، على مدار السنوات الماضية، تحقيق توازن دقيق في علاقاتها مع كلٍّ من إيران وإسرائيل، بل إنها عبّرت بوضوح عن رغبتها في بناء منظومة سلام إقليمي تشارك فيها إسرائيل كعضو طبيعي وسلمي، تمهيدًا لتطبيع العلاقات بشكل كامل. غير أن الحكومة الإسرائيلية، في المقابل، اندفعت في تنفيذ سياسات إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في غزة، وعملت بجهد لإجهاض أي دور عربي – لا سيما سعودي – في دعم غزة أو إعادة تعافي لبنان وسوريا.

لقد قوّض نتنياهو، من خلال سياساته، كل الآمال التي علّقها العرب على مصداقية النوايا السلمية الإسرائيلية، والتي استمرت لعقود.


وفي ذات السياق، باتت سياسة الغموض النووي التي تتبناها إسرائيل عديمة الجدوى من الناحية القانونية والسياسية. فمن المعروف أن إسرائيل تمتلك ترسانة نووية ضخمة، تدعمها قدرات تقليدية متقدمة وسلاح جو متفوق يحظى بدعم أمريكي غير محدود. والأهم من ذلك، أن إسرائيل سبق أن أعدّت سلاحها النووي للاستخدام في مناسبات عدّة، لمجرد شعورها بالخطر خلال حروبها مع الدول العربية.


أما التحالف الدفاعي الجديد بين المملكة العربية السعودية وجمهورية باكستان الإسلامية، فيستند إلى جذور تاريخية عميقة من التفاهم الاستراتيجي، والتكامل في الرؤى والمصالح، فضلًا عن الاعتماد المتبادل في المجالات الاقتصادية والأمنية. وينص الاتفاق على أن "أي اعتداء على أحد البلدين يُعدّ اعتداءً على كليهما"، كما يدعو إلى تعزيز الشراكة العسكرية الصناعية بين الرياض وإسلام أباد.


لطالما تواجدت قوات باكستانية عاملة داخل المملكة، يتراوح عددها بين 1500 و2000 جندي، يقدمون خدمات تشغيلية وتقنية وتدريبية للقوات المسلحة السعودية، بما يشمل سلاحي الجو والبر.

في المقابل، تُسهم المملكة بشكل كبير في دعم الاقتصاد الباكستاني، وتعزيز احتياطياته النقدية، فضلًا عن ما توفره من عمق جيوسياسي في الخليج العربي.


وقد صرّح أحد كبار المسؤولين السعوديين حول الاتفاق بقوله: "هذا الاتفاق ليس ردًّا على دول أو أحداث بعينها، بل هو تأطير مؤسسي لعلاقات التعاون العميقة والممتدة بين البلدين."

لقد مكّن هذا الاتفاق من ترسيخ تحالف راسخ، كان قائمًا بشكل غير رسمي، وتحويله إلى شراكة أمنية تعاقدية ذات طابع مؤسسي.


تشكل هذه الاتفاقية أيضًا فرصة استراتيجية للطرفين لتقليص اعتمادهما على القوى الدولية في الدفاع عن أمنهما القومي، وهو ما يمكّنهما من تحقيق تكامل في القدرات الدفاعية والصناعية، ويوفّر لكليهما هامشًا أكبر من الاستقلالية الاستراتيجية. كما أنها تفتح المجال أمام تحالفات إقليمية جديدة، وترتيبات أمنية مشتركة، مع أطراف أخرى تشعر بعدم الثقة إزاء الموقف الأمريكي أو تهديدات إقليمية أخرى.


وعند سؤاله عمّا إذا كانت باكستان ملزمة الآن بتقديم مظلة نووية للمملكة، أجاب مسؤول سعودي رفيع لوكالة "رويترز": "إنه اتفاق دفاعي شامل، ويشمل جميع الوسائل العسكرية."

وفي بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء الباكستاني، ورد أن "أي عدوان على أحد البلدين يُعتبر عدوانًا على كليهما".


وفي الوقت ذاته، يُدير البلدان علاقاتهما الجيوسياسية بعناية، سواء مع واشنطن أو مع بكين. لكن الأهمية الكبرى لهذا الاتفاق تكمن في كونه يمثل محاولة إقليمية جادة لإعادة ترميم اختلالات موازين القوى في الشرق الأوسط، بمنظوره الواسع.


وفي حين أن اتفاق بكين بين المملكة العربية السعودية وإيران قد شكّل فرصة أولية واعدة، إلا أن الانحسار التدريجي لعنف الأذرع الإيرانية في المنطقة، إلى جانب متانة العلاقات السعودية الباكستانية، خلق مناخًا أكثر إيجابية يمكن لإيران الاستفادة منه إن هي قررت أن تتبنى دورًا سلميًّا إزاء جوارها المباشر.


وقد أكد المسؤولون السعوديون كذلك على أهمية تحقيق توازن في العلاقات الثنائية مع كلٍّ من الهند وباكستان. إذ قال أحدهم: "إن علاقتنا مع الهند أقوى من أي وقت مضى، وسنواصل تنميتها، مع السعي في الوقت ذاته للإسهام في إحلال السلام الإقليمي بكل السبل الممكنة."


وفي عالم متعدد الأقطاب، باتت الدول تولي أهمية متزايدة للتحالفات الإقليمية على حساب التكتلات الدولية الكبرى. وفي هذا السياق، لا تبدو هذه الاتفاقيات سوى بداية لمسار إعادة تشكيل البنية الاستراتيجية للمنطقة. وليس هناك شك في أن ما نشهده اليوم سيؤدي إلى تحولات استراتيجية كبيرة في المستقبل.


لقد اغترّ نتنياهو بسيطرته المؤقتة، وبغطرسة القوة التي يلوّح بها شرقًا وغربًا، ويا له من غرور خادع ومآله الخسران.

 
 
 

تعليقات


© 2020 مجموعة إنسايت الاستشارية

  • LinkedIn Social Icon
  • Twitter Social Icon
bottom of page