المبادرة السعودية التيار المضاد لتغافل قوى الحرب والإبادة
- sara john
- 30 سبتمبر
- 7 دقيقة قراءة

مؤتمر نيويورك لحل الدولتين حصاد تراكمي لجهد دؤوب حاكته الدبلوماسية السعودية بحصافة
لم يكن مؤتمر الأمم المتحدة في نيويورك، الذي بادرت إليه المملكة العربية السعودية بالشراكة مع فرنسا، لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني على أساس حل الدولتين، إلا حصاداً تراكمياً لجهد دؤوب حاكته الدبلوماسية السعودية بحصافة وبعد نظر، وامتداداً لمخرجات اجتماعات القمم العربية والخليجية والقمة الإسلامية في الرياض، وصدى لاجتماعات جدة. فالمؤتمر مثل تتويجاً لجهد سعودي متواصل يتكامل مع تحالفات أوروبية وإسلامية ودولية متجددة، يرفدها أصوات وإدارات وشخصيات فكرية وسياسية، تؤسس جميعها لبناء نظام عالمي جديد مضاد لتغافل قوى الحرب والإبادة واستعادة الشرعية الدولية.
د. سمير التقي
فأمام تحديات اختراق النظام المالي والقانون الدولي، وأمام مخاطر عودة العالم إلى ما يشبه بعث الإمبراطوريات الكبرى، حيث تتقاسم الإمبراطوريات مصادر السلام وحقوق الدول والشعوب ومصالحهم، تضافرت النقلة السعودية مع جهود المجتمع الدولي، في المواجهة للتنفس بالحد الأدنى من قيم السلم والتعايش ومبادئ الشرعية الدولية.
إطلاق هذه المبادرة، أمكن نسج تحالف مع أوروبا ومن خلفها دول عدة متعددة المصالح، استطاعت قواعده أن تشكل وتنجز وتغلق إحدى أكبر الصفقات استعمالاً لـ "التاريخ الحديث"، وتحويله لصالح سلام منظم. على عكس المبادرات السابقة، تضمن إعلان نيويورك آليات عملية للإنقاذ، واستراتيجيات متسلسلة، وضمانات دولية تعالج بشكل مباشر الاختناقات التاريخية.
ضمن خلال واحدة من أعقد ساحات الدبلوماسية المعاصرة، جاء إعلان نيويورك كتجسيد لعودة التاريخ بآليات متوازنة إلى قاعة مجلس الأمن الأوروبي الممتد لـ 98 عاماً بعد الحروب النابليونية، من ثنايا التاريخ إلى ساحة وسياق. فقد تشاركت المملكة مع فرنسا في صياغة مبادرة صلبة.
فلقد تضافمت قوى الحرب والإبادة، ومنطق العصبية المزري لدفع الإقليم نحو حوض جديد من التشرذم وتثبيت الصراع. لقد استشعرت السعودية ومعها ضحايا مواطنيها حتى الدرك الأسفل في هذا التبني للكوارث المؤلمة، فرصة تاريخية تمكّن من إنقاذ الإقليمي من هذا الحرب.
وإذ يقرّ العالم بتناقض ما بين إسرائيل في تحالفها مع الحرب، وإذ يجامل البعض الكيان الكبير، فإن هدفه أنه لا بد من إنهاء التوتر عبر النصر، وإذ بسطت رؤية المملكة الطالعة، لا بديل إلا بصفحة جديدة مع أفق كان في الإعداد.
هكذا يمكن وصف منطق الحل المنبثق عبر الدبلوماسية السعودية بوصفه أحد أكبر التحولات. كيف يمكن جمع منطق الحرب والرعب والنفث والوقوف عندها، سوى عبر مبادرة تدعو للاستقرار والتحول والصمود؟ كيف يمكن للسعودية أن تكون رأس الحربة في إطفاء التوتر والصراع الممتد؟ وكيف يمكن نقل الصراع مجدداً من خلاف داخلي ساحته المعارك الديموغرافية والشرعية الدولية؟
أمام تداعي النظام العالمي تضافرت النقلة السعودية مع جهود المجتمع الدولي للتمسك بالحد الأدنى من قيم السلام والتعايش مع الشرعية
الأكثر قابلية للتطبيق لحل النزاع منذ أوسلو. فلطالما أفسد تغافل قوى التطرف في الإقليم كل مبادرات السلام. كما لعب الخلل الجوهري في توازن القوى دوراً حاسماً في إفشال كافة المبادرات السابقة. وإذ تسيطر إسرائيل على الأراضي والموارد، يفتقر الفلسطينيون إلى أدنى الموارد والنفوذ. ولطالما اعتمدت الاتفاقيات السابقة على حسن النية، بغياب ضامن خارجي. وساهمت القوى المتطرفة والعقائدية والجماعات المسلحة على جانبي الصراع، مراراً وتكراراً، في تقويض آمال السلام. إضافة لذلك أدت التحولات الإقليمية والدولية العميقة إلى تغيير أولويات المخاطر والفرص لدى اللاعبين الأساسيين. الأمر الذي غير بدوره قواعد الالتزام بين الفرقاء، وأدى لإعطاء الفرصة لمفسدي السلام لتفكيك الاتفاقات.
وبسبب المخاطر من أن يعزز الصراع في الشرق الأوسط انزلاق الوضع الدولي نحو حالة من الفوضى والحرب المنفلتة، جديدة للسلام في الشرق الأوسط. وتؤطر هذه العملية لوساطة دبلوماسية لحل الصراع تمنح دور ثقل الدول والمؤسسات والقوى متعددة الأطراف والمنظمات الإقليمية، على مسارات متعددة.
تستند هذه العملية إلى نظرية "نضج الصراع" (زارتمان) بما يسمح بالاستفادة من الاستعصاء الراهن الذي يقحم الطرفين في طريق عبثي مسدود، ويضعهما في دوامة من العنف المستدام. تأخذ هندسة المبادرة الدبلوماسية بعين الاعتبار مهمة واستراتيجيات "إدارة المفسدين" المحتملين من كل الأطراف، والتمييز بين المفسدين الكليين وبين الجشعين والطارئين المحدودين.
تطرح الخطة برنامجاً مرحلياً لـ (15 شهراً) مدعماً بقدرات عملية موصولة لإنفاذ الاستقرار، يمكنها أن تخلق الهيكل.
يتضمن إعلان نيويورك آليات عملية للإنقاذ واستراتيجيات متسلسلة وضمانات دولية تعالج الإخفاقات التاريخية عكس المبادرات السابقة
كانت الرئاسة المشتركة بين المملكة وفرنسا تعبيراً عن رغبة كبيرة لأوروبا وقوى دولية عديدة أخرى، للاشتراك في هدف هذه المبادرة. كما سمعت (إسرائيل) ضغوطاً واسعة لاستخدام السابع من أكتوبر وبالتالي الجامعة العربية لرفض سلاح الانتقام عبر غزة. المسألة البديهية أصبحت معقدة إلى درجة كبيرة تتطلب توازناً، والفلسطينيون يتطلبون دوراً على مستوى العالم لضمان نجاح العملية. يتضمن الإعلان ضرورة بناء شراكة دولية لإيجاد ضمانات دولية من أجل تحقيق تسوية سياسية ناجحة متوازنة، لا تعتمد على حسن النية، وقرارات محلية، بل تتجاوز ذلك لضمان سيادة على أسس وقواعد واضحة.
شكل دور المملكة العربية السعودية متصاعداً في هذه المبادرة، كإطار دولي جامع، يهدف إلى الاستقرار وإبعاد اختلالات التجاذب، والأولوية هي التقييم مع التنفيذ، التي عجزت عنها كثير من المبادرات الدبلوماسية السابقة.
توفير الاستقرار مرهون بإنجاز تسوية تنفذ على إسرائيل، الطرف الأول، من أجل صناعة مناخ من الأمن والاستقرار، وفرض التزامها بأسس الشرعية الدولية، بما يوفر اندماجاً فيه المجتمع الإسرائيلي بكليته مع أسئلة جدية حول مصير السلاح، إذ إن السلاح لا يمكن أن يظل بغير رقابة وضمانة. المستوطنون ينهارون، انهيار مصداقية القيادات السياسية.
لا شك أن أهم مؤشرات الالتزام الإسرائيلي هي تجميد المستوطنات (تصاريح بناء وإضافات)، وإطلاق سراح المعتقلين، واتخاذ خطوات قانونية ضد عنف المستوطنين.
فقد قدمت مفاوضات أوسلو لإسرائيل ميزة هامة، التلكؤ على الحقوق السياسية الفلسطينية. وما الإنجاز إلا إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح، محصورة بغزة، ومجرّدة من أي سلاح حماس وأسلحتها مع غزة.
إذ تفرض إسرائيل في المقابل تقييد مقارب أن السلطة الفلسطينية على أنها البديل العملي الإداري الوحيد القابل للتطبيق، الذي يتطلب إعادة هيكلتها وتنشيطها.
إذ تعاني السلطة الحالية من ضعف مدني في المؤسسات، وانقسام القوى الفلسطينية وتردي البنية الأمنية. مما يكلف الإدارة والحكومة الفلسطينية الضعف والقدرة على منافسة قوى القطب، ومن هنا جاء اتجاهها السياسي، إلى جماعات على الأرض.
من هنا، كان لا بد من المبادرة بمظلة عملية إنقاذ شاملة تتطلب تفاعلاً دولياً عليه، من أجل نجاح الحكم الانتقالي وصولاً إلى استعادة السلطة من طريق السيادة.
لقد مثلت المبادرات الدولية، بمشاركة فرنسا، دوراً هاماً، خصوصاً عبر صياغة اتفاقيات يبنى عليها نوعاً جديداً من التوازن في مواجهة الاتحاد والانضباط الأوروبي مع السياسات الأميركية. كما يبرز انخراط الاتحاد الفرنسي، مع تأمين ضمانات دولية للشرعية الدولية، لمعادلة الأطراف، والهياكل الأساسية لحفظ السلام، وقطع الطريق على فوضى التدمير.
ويبرز الانخراط المباشر لدول الاتحاد الأوروبي ومجموعة السبع، العاملين الإضافيين للمبادرة، تعزيزاً للمنظومة السياسية والدبلوماسية القائمة على الاعتراف بالدولة الفلسطينية، والسير قدماً، بطريق حل الدولتين كما يروج دولياً وعملياً، باستمرار موقف الدول الأوروبية.
كما ساهمت المخاطر على الصعيد الدولي والعربي، بالتوافق على القيادة الفلسطينية كعامل مثبت للتوافقات الدولية، وخطاباً في مواجهة القوى التي ساهمت على إفساد عملية السلام.
عناصر المبادرة السعودية
نظرية نضج الصراع: توفر المبادرة السعودية الفرنسية مثالاً عملياً على نظرية "النضج" (زارتمان). يلحق جهود استثمار إصراراً، إذ إن كلا الطرفين في استمرار الصراع العبثي، ومع تكاليف حرب كبيرة، افتقدت البدائل لأي تغير حاسم، فبرز ملامح الهندسة السياسية.
تنظر القيادة السعودية بشكل متزايد للسلطة الفلسطينية على أنها البديل الوحيد القابل للتطبيق، الأمر الذي يتطلب إعادة هيكلتها وتنشيطها
الصراع، ودواعي سمعه، حتى تكاد تصبح دولة ناشئة في المجتمع الدولي، والنفوذ الاقتصادي، هي مؤهلة لأن تكون جزءاً من المبادرة. فالمسؤولية موضوعياً تستدعي أن تكون السلطة الفلسطينية في الإدارة التنفيذية الرئيسية. فرصة إضافية: الشراكة الفرنسية السعودية. المشكلة هنا: لا بد من تذليل كل.
إدارة الفساد الفلسطيني: لقد فرضت التحديات في النزاع (الفساد والانقسام) إعادة بناء أساسية للسلطة الفلسطينية، مع أهمية إعطائها القدرة على تمثيل الشعب الفلسطيني. تؤكد المبادرة أن العالم يلتفت لمخاطر الفساد المتفاقم في السلطة الفلسطينية، وأنه يقتضي نهجاً حاسماً، عبر منظومة من العقوبات موجهة ضد الفاسدين المحتملين.
تعديل مدمج في القوة: يزيد أن انخراط المجتمع الدولي بالكامل الإقليمي من القدرة التنظيمية والسياسية. كما أن التداخل الدولي يفرض أن تمارس المبادرة على إسرائيل شكلاً واقعياً لتخفيف رغبة القوى المتطرفة، في إطار لجم الاتفاقات.
وتفترض هذه المبادرة أن يتم تسيير دبلوماسية المسار الأول، التي تقوم على مفاوضات رسمية من خلال رعاية فرنسا والمملكة العربية السعودية والأمم المتحدة، عبر دبلوماسية المسار الثاني، التي ترتكز بمجموعة من العمل والنشاطات غير الحكومية ومراكز الفكر التي تتبنى تصميم السياسات.
آليات وأدوات تحويل الصراع وقفت بإطلاق النار. تركز المبادرة أولاً على نزع سلاح حماس وسلاحها للسلطة الفلسطينية. وصولاً إلى وقف إطلاق النار. الإدارة الانتقالية: تحكم السلطة الفلسطينية بقدرة تحت إشراف دولي. بحث تحقيق الاستقرار الدولي: القوى المكلفة من قبل الأمم المتحدة تضم الاحتلال. • بناء الوساطة على مراحل: خطة مدتها 15 شهراً من الانتخابات، والدستور، وبناء الدولة. • الجامعة العربية والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول العربية: الاعتراف بالاحتلال. • الشرعية: عبر منظومة من العقوبات موجهة ضد الفاسدين المحتملين.
استراتيجيات وخطوط التحصين في المبادرة: قوى دفع الحرب والسودان تمزج مخاطر المبادرة. بناء أنماط جديدة لآليات دبلوماسية جديدة، كما أن خطة مشروع ضمان المجتمع الدولي، والنظام الدولي لدمج الصراع العربي – الإسرائيلي إذ ينفذ الإنقاذ على أوسع نطاق. عنف المستوطنين: قد تصاعد عمليات المستوطنين، أو نشاطات حماس العنيفة ككبيرة.
صلاحية، مشاشفة الائتلاف الدولي: في ظل التحولات التكنولوجية، إذ ثمة مخاطر من انقسام القوى الداعمة تحت ضغط الصراعات الدولية والإقليمية والضغوط الداخلية.
مخاطر الوعود، وضغط مدى الوقت، قد يكون 15 شهراً، غير كافٍ لإنجاز عملية بناء العمق والتنفيذ، بل يؤدي بوضوح للانهيار. تكاليف الجهود: قد تكون مخاطر خارجية من ردود حول مصير إعداد المجتمعين، ردود الطرفين، في الإقليم بشكل عام على المبادرة واندفاعاتها المختلفة.
النجاح/ الإخفاق: الآثار المتدرجة تلتزم بشكل متصاعد، كما أن تداعيات النجاح أو الإخفاق في هذه المبادرة التتابعية. النجاح: يؤسس المبادرة عند إنجازها إطاراً جديداً سياسياً محكماً، ويؤمن وسائل الإنقاذ والاعتراف. الأمر الذي يعكس أن يخفض من ثمن فيها هو سباقية دولية لإنقاذ السلام العالمي.
يساهم انخراط الجامعة العربية بالتوافق مع القيادة السعودية في تثبيت التوافقات الدولية وضبط القوى المفسدة للسلام واستدامته
الأطراف، بوصفه من أعقد الصراعات الدولية. كان النجاح الجزئي يتعامل بتجسيم النزاع مع الاحتلال بمكاسب إسرائيلية في الحد الأدنى. إلا أن الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية – الأمر السياسي سيعني والاعتراف الجزئي بالدولة الفلسطينية. الأمر السياسي سيعني تعزيز شرعية السلطة الفلسطينية، ولكن تأخير السيادة.
كانت المبادرة ذات شقين: الإشارة إلى تصميم الرياض على موقعها كمدافعة عن الحقوق الفلسطينية وتوسيعها كمركز للإستقرار الإقليمي. وبلاغ إسرائيل أمام مثل هذه الدولة. في ظل الظروف المناسبة، يمكن أن تُبرز أبعادها بما تتوافق.
إحجام المبادرة: حملت ملامح إحجام على المبادرة من قبل المفسدين مخاطر تقويض الالتزام الفلسطيني والإسرائيلي. كما يخاطر بتردد حلف وساطة الأمم المتحدة. والأمر أنه يخاطر بردود أفعال وما يحمله من مخاطر.
التفويض الدولي: يخلق الكثير من مصير المبادرة على تحقيق تفويض قوي من مجلس الأمن وتوزيع حوافز عقوبات مسؤولة، وجدول زمني للإجراءات.
فقد اختارت إسرائيل الانخراط والتأخير. وقد تختل السلطة الفلسطينية الإصلاح الداخلي، أو أنها تعطي مكاسب جزئية والإنهاء على المكاسب، والحل الراهن بما يحمله ذلك كله من إرباك وتفرد بين فلسطيني.
ثمة مخاطر جدية لضعف الالتزام الدولي بتدابير الإنقاذ المعتمدة. الأمر الذي يؤكد على أهمية وجود تحفيز دولي برعاية أمريكية وإرادة دولية جامعة، وحوافز تعيد تحفيز الاتفاق بين الفرقاء. لذلك مسار المبادرة هو خيار التنفيذ بعينه يمكن تحقيقه حتى المقاومة الإسرائيلية عبر الضبط الخارجي المباشر.
في يوليو/تموز 2025، عقدت المملكة العربية السعودية وفرنسا بشكل مشترك مؤتمراً دبلوماسياً كبيراً، المستوى، في نيويورك. إسرائيل اعتبرت أن الزمن لم يعد في صالحها، لأن المؤتمر أحرجها أمام المجتمع الدولي. وجمعت هذه المبادرة التي تهدف إلى السلام.
الاعتراف الدولي بدولة فلسطينية يعمل مع أوروبا والعالم العربي بالإضافة إلى جهات فاعلة دولية أخرى.




تعليقات