top of page
بحث

بعد ألاسكا، في أيّ ملعبٍ صارت الكرة؟ وهل سيغدو العالم أكثر أماناً؟

  • صورة الكاتب: sara john
    sara john
  • 15 أغسطس
  • 4 دقيقة قراءة

ree

وعلى إيقاع الحرب الروسية على أوكرانيا، ينتهج ترامب «لعبة الدجاج» عالية الخطورة، حيث يتنافس المتفاوضون على مَن يقترب أكثر من حافة الهاوية من دون السقوط فيها. لذا يستخدم التهديد والمراوغة لإبراز عزمه السياسي. مرةً أخرى، يُخرج «الساحر» ترامب من كمِّ سترته أرنبَ ولَعِه ببوتين. إنها جولةٌ جديدة في سيرةِ عشقٍ قديمة.

وعلى وقعِ الحرب الروسية على أوكرانيا، يعوّل ترامب على «لعبة الدجاج» فائقةِ المخاطرة، حيث يتنافسُ المتفاوضون على مَن يقترب أكثر من حافةِ الهاوية دون السقوط فيها. ولذا يستخدمُ التهديدَ والخداعَ لإبراز عزيمته السياسية.

كانت روايةُ ترامب للعالم أن السلامَ قريب، وأن القوةَ مجدية، وأن «على العالم إفساحَ الطريق لأميركا». رسالتُه إلى بوتين: «اعمل معي وستنال مني أكثر مما نلته من بايدن». ولأوكرانيا: «موقفُك ليس ضرورياً لصنع السلام». وللأميركيين: «أنا وحدي قادرٌ على إنهاء هذه الحرب». وللأوروبيين: «عليكم الامتثال لأنكم الطرف الأضعف».

يعتقد ترامب أن استراتيجية «التهديد اللفظي» تضمن له الهيمنةَ من دون التزاماتٍ مكلفة. لكن «التهديد اللفظي» في الألعاب الاستراتيجية عاليةِ المخاطر غالباً ما يُفضي إلى الفوضى، ويقوِّض المصداقية، ويزيد المخاطر، ويقود إلى سوء التقدير.

وباستبعادِ أوكرانيا من المفاوضات، يحوِّل ترامب لعبةً متعددةَ الأطراف إلى لعبةٍ ثنائيةٍ مبسّطة، متجاهلاً الحاجةَ الموضوعية إلى أطرافٍ أخرى لضمان سلامٍ مستقرّ.

وقد أطار ترامب سياستَه مراراً بالقول: «أنا وحدي أستطيع إنهاء الحرب»، وأن «بوتين يحترم القوة»، وأنه مصمّم على ترسيخ الهيمنة، في لعبةٍ تتقدّم فيها المصداقيةُ على الاتساق. هذه اللعبة قد تتداعى بدورها تحت وطأة عوامل متعدّدة: إذا امتنعت أوكرانيا عن الامتثال، أو تماسكت أوروبا وتمسّكت بمسارها الاستراتيجي، أو رفض بوتين تقديم تنازلات حتى بعد إحراز انتصارٍ رمزي.

وأحرزت روسيا مكسباً سردياً حين كشفت وهنَ مصداقية تهديدات ترامب بالعقوبات، وحققت انفتاحاً دبلوماسياً من دون كلفة تُذكر.

لكنها، إذ تتجه إلى حرب استنزاف طويلة، تواصل تصعيد القصف الجوي والمدفعي لكسر إرادة أوكرانيا وبثّ الشكوك الأوروبية حيال قدرة كييف على الصمود، بغية إقناع ترامب بأن “الحرب المديدة تدفع ثمناً سياسياً فادحاً”.

وتتمثل الاستراتيجية التي اتبعها بوتين في ألاسكا بالتعاون مع ترامب بالقدر الكافي لتحييده من غير أن يبدّل أهدافه الفعلية مطلقاً. هكذا تحتفظ موسكو بالقرم ودونباس، أملاً في تجميد الدعم العسكري الغربي وتخفيف العقوبات، مستثمرةً ميل ترامب للثنائية وصعوبة تنسيق المواقف داخل المعسكر الغربي.

ويبدو بوتين مقتنعاً بأنه يتقدّم في هذه الحرب نحو حسمٍ ناجز بحلول أواخر 2026، بما يتيح له فرض هيمنته السياسية النهائية على أوكرانيا؛ إذ يطالب باعتبار الحكومة الحالية غير شرعية، ويشترط بقاء أوكرانيا منزوعة السلاح وخارج الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، بل بسيادة منقوصة على أراضيها.

وفي تلك الحال، يمكن لروسيا ـ بوتين أن تُظهِر قوّتها عبر معظم وسط أوروبا—بولندا ورومانيا… إلخ—كما سبق للاتحاد السوفياتي أن بسط نفوذه عليها بسلسلة انقلاباتٍ أوصلت الشيوعيين إلى السلطة.

وبينما يسعى بوتين بكثافة إلى دقّ إسفينٍ بين أوروبا والولايات المتحدة، ويعمل بقوة على تفكيك التضامن الأوروبي، كانت أولوّيته المركزية في قمة ألاسكا أن يركل الكرة إلى ملعب زيلينسكي وأوروبا. وفي مشهدٍ يتقمّص فيه ترامب دورَ الحَكَم، يسعى بوتين إلى تصوير أوكرانيا وأوروبا على أنهما غيرُ جادّتين في تلبية رغبة ترامب الجامحة ليُتوَّج «بطلاً للسلام».

وصل بوتين إلى القمّة من موقعٍ متقدّم. فبعد عزلةٍ دبلوماسية وضغطٍ اقتصادي وتنامي احتمالات نظامِ العقوبات، تقوم حركته الاستراتيجية الراهنة على إطالة أمد اللعبة دون تغيير اللوحة، وتعليقِ التهديد بالعقوبات الأميركية. يلوّح بالمرونة من دون تقديم تنازلات، لاختبار عزيمة ترامب ودوافعه السياسية.

ذلك تكتيكُ إرجاءٍ كلاسيكي في لعبةٍ واسعة النطاق، جوهرُه شراءُ الوقت في ساحات القتال عبر صناعة الضوضاء والفوضى على المسار الدبلوماسي، ليكون الرهانُ الروسي إدخالَ الشكوك في الموقف الاستراتيجي للغرب على المدى الطويل.

أما أوروبا فتعوّل على قدرتها في تعديل حسابات المخاطر لدى الولايات المتحدة. إنها تسعى لشراء الوقت لاعتباراتٍ عدّة: أولها استكمال عناصر الردع الميداني؛ وثانيها تعزيز القدراتِ الردعية النووية لأوروبا؛ وثالثها تدعيمُ صمودِ أوكرانيا بشرياً وعسكرياً.

وبعد تمدّد الناتو للسيطرة على بحر البلطيق وإحكام القبضة على البحر الأسود، تستعدّ السويد وألمانيا بطاقتهما البشرية والعسكرية والصناعية الهائلة للالتحاق بفرنسا وبريطانيا في تقوية رأسِ الحربة الاستراتيجية الأوروبية الصاعدة، فيما تواصل أوروبا إدارة لعبةٍ معقّدة لـ«احتواء القطيع» الأوروبي لضمان أعلى درجات الوحدة، مع زيادة الدعم والتنسيق السياسي مع أوكرانيا، وتنبيه فريق ترامب إلى أن أي صفقةٍ تُصاغ بدون كييف محكومٌ عليها بالفشل.

إن استبعاد أوكرانيا عن طاولة ألاسكا يخلق معضلةً تفاوضيةً تقليدية، إذ لا يمكن إلزامُ كييف بأي تسويةٍ دون مشاركتها. وهي تراهن على استمرارِ التماسكِ الأوروبي.

ويراهن بوتين على أنه إذا «تمرّد ترامب على الغرب»، فقد تنشقّ بعضُ الدول الأوروبية، بما يؤدي إلى تآكل النفوذ الأوروبي.

في المقابل، يتمثّل مفتاحُ اللعبة التفاعلية الأوكرانية في تعديل حساب العوائد لدى ترامب، بحيث يصبح تهميشُ أوروبا أو أوكرانيا مكلفاً سياسياً واستراتيجياً على الولايات المتحدة. غير أن المعضلة الأساسية لِكييف أنها لا تتحكّم في دينامية التفاعل الاستراتيجي بين واشنطن وموسكو.

وتردّ أوكرانيا بلعبةٍ على مستويين: فبينما تناورُ وتدفعُ ثمنَ قرارات الآخرين، تمضي في ضرباتها الاستراتيجية العميقة داخل روسيا على نحوٍ غير مسبوق أثناء مفاوضات ألاسكا، ساعيةً إلى تقوية تحالفاتها الأوروبية وإحباطِ الفخّ الدبلوماسي برفض صفقاتِ تبادلِ الأراضي.

وتركّز كييف على إقناع الحلفاء والخصوم بقدرتها وإرادتها على مواصلة القتال بصرف النظر عن التطوّرات الدبلوماسية. رسالتها لروسيا: «نستطيع إيلامَك حتى دون دعمٍ غربيٍّ كامل»، ولترامب: «لن نقبلَ بخضوعٍ لصفقةٍ صيغت دون مشاركتنا»، ولأوروبا: «يبقى دعمُنا استثماراً استراتيجياً قابلاً للاستمرار».

وفي ميدان الإشارات هذا، وعلى خلافِ الوعيدِ الخطابي، تُعدّ الإشاراتُ الأوكرانيةُ المُكلِفة ذاتَ مصداقيةٍ عالية، ولا سيّما حين تتحمّل كييف تبعاتِها، بما يعمّق الشكوك في أي تسويةٍ تُقصيها.

الخطرُ الآتي من ألاسكا ليس مجرّد صفقةٍ رديئة، بل هو إضفاءُ الطابع الاعتيادي على دبلوماسية «أمراءِ الحرب»: مكافأةُ القوةِ بالاستحواذ على الأرض، وتجريفُ الشرعيةِ المتعدّدةِ الأطراف للنظام الدولي، وقبولُ هدوءٍ مؤقّتٍ بثمنِ عدمِ استقرارٍ دائم.

ولم تكن قمةُ ألاسكا خطوةً منفصلة؛ إنها الفصلُ الأحدث في لعبةٍ استراتيجيةٍ أميركيةٍ ترومُ تطبيعَ محوِ السيادة تحت شعار «السلام السريع».

وعلى أي حال، يلوح بصيصُ أملٍ في أن تُفضي قمةُ ألاسكا إلى وقفٍ مؤقّتٍ لإطلاق النار. لكنها لن تحولَ دون تبلور «ستارٍ حديدي» طويلِ الأمد في قلبِ أوروبا، حيث يُستَخدمُ تبريدُ الحرب أداةً لإدامةِ الصراع.

 
 
 

تعليقات


© 2020 مجموعة إنسايت الاستشارية

  • LinkedIn Social Icon
  • Twitter Social Icon
bottom of page