top of page
بحث

بناء الجيش الوطني السوري، ذلك السهل الممتنع!

  • صورة الكاتب: sara john
    sara john
  • قبل 3 دقائق
  • 15 دقيقة قراءة

ree

في كتابها حول الحرب الأهلية في سوريا "ذاك الصباح الذي جاؤوا فيه الينا" “The morning they came to us”

تقول دي جيوفاني "إن الفعل المتوحش لا يدمر أرواح الطرفين – أرواح الضحية والجاني، فحسب، بل يدمر أيضا نسيج المجتمع ذاته".


إثر اندلاع الثورة السورية 2011، لم يذهب نظام الأسد في طريق المصالحة مع شعبه واستعادة وحدة الشعب والبلاد، بل آثر تفجير مجمل التناقضات المجتمعية والفردية والاثنية والمناطقية والطائفية، وتسليم البلاد لعنف الميلشيات الفاسدة ليصبح "الكل ضد الكل"! بل آثر نظام الأسد أيضا، تفكيك سيادة البلاد، ليفتحها على مصراعيها رهينة لشتى التناقضات والتدخلات الدولية والإقليمية. ليصير "الكل ضد الكل" لا بفعل تطور عفوي للصراع، بل عن سابق تصميم وإصرار. 

والآن، وبعد انهيار ذاك النظام، تقف سوريا امام واحدة من اعقد واخطر معضلات يمكن ان تواجهها أية أمة. ألا وهي بناء الدولة الوطنية الحديثة من الصفر، لا تفويض بشرعية، ولا جيش يكون عمودا فقريا للامة الجديدة.

أمام واقع من هذا القبيل، تواجه مهمة حل الميليشيات وبناء جيش وطني سوري جديد معضلات غاية في التعقيد، تتداخل فيها العوامل السياسية والعقائدية والاستراتيجية الإقليمية، لتقارب حد الاستحالة، لا سمح الله. 

تحاول هذه الورقة تقديم دراسة مفهومية لمعضلة حل الميليشيات في سوريا، وإقامة الجيش الوطني الجديد. 

وبسبب ضيق المساحة، سنعمد لاستعراض هيكلي مقتضب وناقص بالتعريف. لنرسم خصائص أهم الميليشيات، وأهدافها وولائها وبينتها العقائدية ورسم فكرة عن مصادر تمويلها الخ. 

ويمكن للمهتمين الراغبين في المزيد، العودة الينا لتزويدهم بما هو أدق وأحدث من ابحاثنا. 


ثمة مقومات مبدئية تحسم اية محاولة لإعادة بناء الدولة والجيش في أي بلد، و لا يمكن تصور أي نجاح في حل هذه المهمات، ألا وهي ضمان السلم الأهلي عبر شرعية تقوم تشتق من توافق يؤسسه تفويض وطني جامع، وبناء حوكمة رشيدة معاصرة وبينة قانونية راسخة. هذا على النقيض من محاولة فرض السلم الأهلي بالقوة ونبذ عقلية الغلبة العابرة، والانتقام المدمر.


إضافة لذلك، ثمة أسئلة مؤسسة ماثلة امام السوريين: 

أي نموذج للدولة الوطنية يجب ان يبني السوريون؟ أي نموذج للاقتصاد الوطني؟ وما هي بالضبط القيمة المضافة التي سيشكلها الوطن والأمة السورية في محيطها الإقليمي؟ 

وبعد، لطالما كانت سوريا الطبيعية قلب بلاد الشام وقاطرتها المحددة، ليصبح السؤال الجوهري هو في أي فضاء استراتيجي ستحدد سوريا موضعها وتحالفاتها الإقليمية؟ 

تُفضل بعض دول في الإقليم، ان تبقى سوريا ساحة صراع مفتوح تدفع اليها المزيد من الميليشيات لتصير من جديد ساحة تفريغ لصراعات المنطقة والعالم. 

لذلك لن يكون لسوريا الا ظهيرها العربي الذي يشاطرها ذات المصير ويشكل قاطرة التنمية والاستقرار والسلام.  


لمحة أولية ومقتضبة عن الواقع الراهن للميليشيات


يمكن تقسيم الميلشيات في سوريا إلى أربع مجموعات تختلف من حيث عقيدتها ومطالبها وبينتها


أولا الميليشيات الإسلامية الجهادية ذات الأجندة السورية: 


هيئة تحرير الشام والقوى المتحالفة في إطار قيادة العمليات المشتركة: 

قبل سقوط النظام، قدرت المصادر الغربية تعداد القوات التي كانت المنضبطة تماما تحت لوائها بأربعين ألف مقاتل. وكان تمويلها يشمل الضرائب والتعريفات علي المعابر والغرامات ومختلف أشكال اقتصاد الظل. وفي حينه قدرت بعض المصادر البريطانية الدخل الشهري للهيئة ب 13 مليون دولار. 

لكن تغيراً كبيراً طرأ على بنيتها فور انطلاق العمليات العسكرية لإسقاط نظام الأسد. 

فلقد انخرط في صفوفها العديد من الفصائل الإسلامية المحلية المنتشرة في المدن والبلدات الواقعة تحت سيطرة النظام السابق، والتي تتسم بطبيعة محلية وببنية عقائدية متفاوتة بين التطرف العقائدي، وبين عصبية الدفاع عن المجتمعات المحلية. 

كما ساهمت في هذه العمليات جماعات من المقاتلين الأجانب، تابعة للهيئة أهمها الجماعة الأوزبكية "كتيبة التوحيد" والجهاد"، وجماعة أنصار التوحيد الأويغورية، وجماعة أجناد القفقاس الشيشانية، والحزب الإسلامي التركستاني الأيغوري. 

وبعد سقوط النظام السابق وحل "هيئة تحرير الشام"، تم ضم هذه المجاميع إلى صفوف قوات الجيش الجديد، كما انضمت إليها قوات احمد العودة المتمركزة في منطقة درعا جنوب شرق دمشق. والمعروفة بعلاقاتها السابقة مع القوات الروسية.

إثر النصر علي النظام السابق، تكثفت عمليات التعبئة والتجنيد الواسعة في العديد من جوامع المدن والبلدات، حيث يتم جُند الشباب بناء على تزكية المشايخ المحليين الموثوقين من "هيئة تحرير الشام". 

يخضع المتدربون في هذه القوات لدورات مكثفة لعدة أسابيع تتقاسمها التعبئة العقائدية الإسلامية سلفية الجهادية والتدريب العسكري. 

تبذل الحكومة السورية جهودا كبيرة لإنشاء جيش موحد وعقائدي سوري جديد، يقوم علي تعبئة إسلامية سلفية سياسية راسخة. ورغم هذه الجهود، لا يمكن القول ان منظومة الولاء العقائدي والمعنوي قد توحدت ضمن صيغة عقائدية واضحة. 

ذلك ان المجاميع المقاتلة تفترق بشكل كبير في ولائها الفعلي، وتطلعاتها الأيديولوجية، وفي مفهومها ما بين عقيدة الجهاد ولعقيدة الجيش وأهدافه، ونموذج الدولة المنشود. ولا تزال الكثير من هذه التكتلات الولائية مرتبطة معنويا وماديا بالعلاقات الجهادية السابقة. 

رغم ذلك يمكن القول أن التوجهات العقائدية ل"هيئة تحرير الشام" المنحلة تتقدم تدريجيا لتصبح هي العقيدة المؤسسة للجيش الجديد. 

ترجح التقديرات الوسطية تعداد القوات المنضوية تحد لواء الجيش السوري الجديد بحوالي تسعين الف مقاتل. وتتزايد هذه الأرقام باضطراد مع دورات التجنيد والتدريب المكثفة والمقتضبة. 


عملية التكييف والتحول: عبر السنوات السبع الماضية، تمثلت استراتيجيات البقاء لهيئة تحرير الشام بالتكيف العملي والتبديل سريع للبنية الداخلية. وبدلت الهيئة تسمياتها عدة مرات، فيما يبدو تعزيزا لخطابها الموجه للسوريين ونراجع خطابها الكوني الجهادي المعتاد. 

عسكريا وسياسيا قامت الهيئة بتحييد او استمالة خصومها المحتملين في معقلها إدلب. كما أنشأت حكومة الإنقاذ السوري في مسعى لتأسيس شبه دولة بدائية، وهيئات إدارية للشؤون المدنية في إدلب. 

وإضافة للتوافق الضمني مع بريطانيا والولايات المتحدة حققت الهيئة تفاهمات امنية مع تركيا، التي تشاركها السيطرة على مناطق واسعة من شمال غرب سوريا بذلك حيدت الهيئة الموقف التركي، كما استفادت بالمقابل، من الوجود التركي لردع هجمات النظام. 


المقاتلين الأجانب:

بالنظر لموقعهم الحرج والإشكالي في الوضع العسكري السوري، نفرد فقرة مقتضبة للمقاتلين الأجانب المنضوين تحت لواء هيئة تحرير الشام المنحلة والجيش الوطني الجديد. 

مع قيام الثورة السورية وانعطافها في اتجاه العمل العسكري لتقع في يد الحركات الجهادية الإسلامية، تجمعت في تركيا مجموعات جهادية عالمية من البلقان وألبانيا والبوسنة، والحزب الإسلامي التركستاني وحموعات قتالية جهادية من مصر والخليج والمغرب العربي الخ.. وفي ظل ضغوط صينية وعربية مختلفة، خرجت هذه المجاميع من تركيا، لتنتقل إلى الشمال السوري. 

بعد سقوط النظام السابق، نشرت هيئة تحرير الشام في 29 ديسمبر 2024، أمرا يتضمن ترقية ما يقرب من 50 ضابطا عسكريا كجزء من عملية "تطوير وتحديث الجيش والقوات المسلحة". وكان بينهم مواطنون أردنيون وأتراك وألبان ومصريون من الجماعات الجهادية مثل الحزب الإسلامي التركستاني، وجبهة النصرة السابقة لهيئة تحرير الشام، وأحرار الشام. وحصل العديد منهم على رتبة عميد وعقيد كقادة الجيش الجديد. 


تقدر الحكومة السورية وبعض الأوساط الغربية عدد المقاتلين الإيغور في ب 3500 إلى 4000 مقاتل، لكن الأوساط المعنية في الصين تقول ان عددهم 7000 "تعرفهم بالاسم". ويقدر عدد المصريين ب 400 مقاتل وعدد المقاتلين من الخليج ب 500 مقاتل الخ..  

وفق بعض التقديرات يصل العدد الاجمالي للمقاتلين الأجانب ل15 الف مقاتل، لا يزال بعضهم يحتفظ بقواعده في شمال سوريا. 


الإخوان المسلمون: توثق تقارير تراكمية عديدة علاقات جماعة الإخوان السورية مع ميليشيات عديدة وبشكل خاص مع حركة أحرار الشام السلفية السورية، ورغم النفي المتكرر لذلك من قبل حركة الاخوان. تعمل هذه الفصائل في مناطق شمال سوريا وريف حماة. 


الميليشيات المدعومة من تركيا، شمال غرب سوريا: وتوجيه عملها العسكري بشكل مباشر، ورغم انخراطها في بنية الجيش الا انها لا تزال تعمل، إلى حد بعيد، بشكل مستقل ودون حسم مسألة ولائها ولا مرجعيتها ولا تمويلها. وتتركز مهماتها القتالية علي مجابهة قوات "قسد".

ثانيا الميليشيات الإسلامية الجهادية ذات الأجندات الاقليمية والدولية:

لا تزال الأراضي السورية ذات أهمية استراتيجية ورمزية حيوية للحركات السلفية الجهادية الدولية. 


داعش: 

تتراوح التقديرات الوسطية للعدد الراهن لمقاتلين داعش على الأراضي السورية بحوالي 3000 -4000. وهم يتمركزون في تجمعات صغيرة في البادية السورية الشرقية والجنوبية كما يتواجدون في ريف حلب الجنوبي والشرقي وصولا ريف إلى الرقة. لكن ثمة معلومات ومؤشرات انهم يوسعون عمليات التجنيد في ارياف البلدات المحازية للبادية السورية وبعض المدن مثل حلب والرقة والصنمين الخ. 


كما تشير هذه التقارير والمؤشرات لوجود صلات خيطية لتنظيم داعش داخل العديد من التنظيمات الجهادية. وقامت الحركة مؤخرا بتعيين قائد لها في منطقة حلب فيما يوضح انتشارا افقيا ملموسا نحو الشمال الغربي. 

ومن المهم ان نلاحظ انه مع انهيار قوات الجيش السابق حصلت بعض فصائل تنظيم داعش على كميات كبيرة من الأسلحة التي تخلى عنها الجيش السابق في مناطق البادية وميط المعسكرات في الجنوب السوري. 


تفيد تقارير مراكز الأبحاث الغربية أن مخيمات عائلات مقاتلي داعش شرق الفرات، تحولت إلى مراكز لإعادة تنظيم صفوفهم وتجنيد الأطفال واليافعين لتصبح هذه المخيمات على حد تعبير واحد من اهم الخبراء في شؤون الإرهاب هي "الحدود الجديدة لداعش". حيث فرضت الشريعة الإسلامية بأكثر صيغها تشددا في هذه المعتقلات والمخيمات، يقابله انحسار شبه كامل لسيطرة حراسها من مقاتلي "قسد" على الحياة الداخلية للمخيمات. ويضم المخيم العديد من النساء والأطفال المعرضين لشتى أنواع الابتزاز، وتنفذ النساء في "لواء الأخلاق" تدريبات عسكرية بشكل خفي في أرجاء المخيم. 

عملية التكييف والتحول:

بعد سقوط حكمها في الرقة، بدلت داعش تكتيكاتها واعتمدت عددا من التكيفات أهمها: 

  • "عدم التمسك بالأرض". 

  • خلق مناخ من الرهبة في مناطق محددة، بما تتيح حرية الحركة ومرونة العمل. 

  • إبقاء عمل ومقدرات الحركة "تحت سطح الأرض". 

  • التسلل عبر المجتمعات المحلية "ابق وتوسع"

  • تعزيز الموارد المالية المتوفرة من خلال التبرعات والأتاوات. حيث تقدر بعض التقارير البحثية ان تنظيم داعش يتمتع بميزانية تصل لاكثر من عشرة ملايين دولار. 


وتعزز هذه التقييمات حقيقة ان مقاتلي داعش قد قتلوا ما يقرب من 4,100 شخص في سوريا ما بين 2019 وأواخر يونيو 2024. 


حراس الدين:

انشق حراس الدين عن هيئة تحرير في فبراير 2018. ويعتقد على نطاق واسع أنه هذا التنظيم هو الفرع الجديد لتنظيم القاعدة في سوريا. عزز "حراس الدين" قدرتهم العسكرية عبر تحالفات قتالية مختلفة مع حلف نصرة الإسلام وغيرها من التنظيمات مثل جبهة أنصار الدين وجماعة أنصار الإسلام. ثمة تقدير اجمالي بكل هذه المجاميع بحوالي خمسة عشر الف مقاتل تحت السلاح. 

ونلاحظ هنا إن الطابع المتشدد لهذه الحركة قد حدد بشكل كبير من قدرتها على البقاء والتكيف.


درء التهديدات ضد الرئيس الشرع: 

قبل الإطاحة ببشار الأسد وبعدها، تنفذ القوات الأمريكية عدة ضربات جوية قيادات عملاء "حراس الدين" الذين يواصلون العمل في جميع أنحاء سوريا.


ثالثا القوات الممثلة للمكونات العرقية والاثنية والعشائرية والمدنية المختلفة. 


باستثناء قوات قسد والمتمركزة شمال شرقي سوريا والتي لها تاريخ خاص، يمكننا القول ان غالبية المجاميع المحلية المسلحة، بما فيها العديد من العشائر السنية، قد تشكلت كردة فعل على الحرب الداخلية وفي مواجهة داعش، وفي محاولة لحماية مجتمعاتها او إثنياتها. 

لكن سقوط نظام الأسد، وما تبعه من حالة واسعة من عدم اليقين والخوف لدى كثير من التجمعات السكانية، وفي ظل المخاوف من نشوء حكم شمولي عقائدي إسلامي متشدد، تصاعدت العصبية الجامعة للعديد من المكونات السورية. 

وبعد ان تجسدت مخاوف هذه المكونات في العديد الاحداث، بلغت اوجها في مجازر الساحل، وفي الاشتباكات في حي جرمانا حيث المكونات الدرزية والمسيحية، تصاعدت مشاعر التضامن بين هذه المكونات لمجابهة عدد من المخاطر وحالة عدم اليقين. 

ونشير هنا ان الحكومة السورية لا تزال تحقق في هذه الأحداث. 

لكن سرعان ما أدت الاحداث لتبلور قوات محلية تتقاطع مع تطلعات قوات قسد بدولة لا مركزية – جغرافية ودستور يعترف بحقوقها وبالاختلافات العقائدية والثقافية السورية. 

إضافة لذلك تشير التقارير لحوادث مؤسفة عديدة جدا جراء القاء الجيش السابق لسلاحه عشوائيا، ليقع في يد الأطفال. 


قوات سوريا الديمقراطية (قسد)- (روج آفا): تأسست قوات قسد بشكلها الناجز عام 2015، وتشكل الذراع العسكري للإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا. تشكل وحدات حماية الشعب الكردية نواة قسد وهي مؤسسة علي إيديولوجية قومية يسارية. 

رسخت قسد حكمها الذاتي 2012، ومثلها جناحها السياسي "مجلس سوريا الديمقراطية" الذي يضم أكثر من اثنتي عشرة كتلة وقوى غير كردية، تدعم مطالب بناء دولة اللامركزية. يعمل هذا لمجلس كجهاز تشرعي للحكم المحلي المدني، ويجمع تحت سقفه تحالفا واسعا من الميليشيات العربية والآشورية والتركمانية ذات الميول السياسية اليسارية والديمقراطية. رغم معارضتها لنظام الأسد، وجهت قوات "قسد: معظم جهودها ضد جبهة النصرة وداعش. 

تقدر قوات "قسد" وسطيا ب 60 الف مقاتل، وتقدر مراكز الأبحاث البريطانية والأمريكية نسبة المقاتلين غير الأكراد بينهم ب 40٪. 

تستمر هذه القوات بتلقي تدريب عال وتسليح نوعي متطور من القوات الأمريكية. وتتميز هذه القوات بانضباط عال وتماسك سياسي. 

عملية التكييف والتحول: بنت قسد استراتيجيات البقاء علي التوسع تدريجيا، بدلا من الغزو السريع. وركزت على التوحيد قدرات العسكرية الدفاعي وبناء التحالفات السياسية، لتصبح فيما بعد، حليفا موثوقا به بالنسبة للولايات المتحدة، مما أمن لقوات قسد مظلة واقية ضد هجمات التركية، وسدت الفجوات في القوة النارية الثقيلة. 

كما أنشأت قسد حوكمة بدائية وحققت درجة من التعددية عبر التحالف مع مجموعات عرقية مختلفة. 

وفي نهاية المطاف تمكنت قسد فعليا من أنشأ شبه دولة مصغرة بمؤسساتها ونظامها المدني بما يحق استقرارا نسبيا في منطقة ذات تنوع اثني وعقائدي كبير.


المجاميع المسلحة في جبل العرب – القوات "الدرزية" في جبل العرب: ينحصر نطاق عملها في جبل العرب وجنوب سوريا: وتشمل "المجلس العسكري للسويداء"، "كتائب درع جرمانا"، "قوات رجال الكرامة". تقدر هذه القوات بحوالي 12 الف مقاتل. تمكنت القوات الدرزية المختلفة من توحيد موقفها، ومنع الاقتتال البيني وبنت تحالفات مع العشائر السنية في درعا المحاذية لها.

عمليا: تتقاطع هذه الميليشيات نسبيا مع تطلعات قسد بدولة لا مركزية – جغرافية ودستور يعترف بحقوقها وبالاختلافات العقائدية والثقافية السورية.


الحالات الفردية للدفاع المحلي المسلح في الساحل: 

نفرق في هذه الورقة، بين بقايا قوات النظام السابق التي تعتبر تشكيلات عسكرية مبعثرة مرتبطة بالخارج، وبين محاولة المجتمع الحلي في الساحل للدفاع عن النفس اثر المذابح. فبعد سقوط النظام قام العديد القيادات المجتمعية والعسكريين السابقين والوجهاء المحليين بالعديد من المبادرات اليت أبدوا رغبتهم الجدية فيها للتعاون مع الحكومة الجديدة في تحقيق العدالة الانتقالية في إطار عملية قانونية مهنية وحيادية. 

إثر الجرائم التي اركبت ضد العلويين وغيرهم من المكونات في الساحل السوري، تحولت منطقة الساحل لتصبح التحدي الأكبر والمعيار الأهم في قضية السلم الأهلي حيث يمكن ان يتطور الوضع فيها بشكل درامي في اية لحظة، ما لم تسارع الحكومة السورية إلى تطوير آليات العدالة الانتقالية من جهة وتحقيق مصالحة وطنية طوعية، ومحاسبة المسؤولين عن مجازر الساحل والتجاوب مع تطلعات المتعلقة بتعديل علان الدستوري.


تكييف الميليشيات في سوريا: 

ونحن نعالج قضية حل الميلشيات في سوريا نلحظ ان بعض هذه الميليشيات اثبت قدرته علي التكييف الشديد والاحتفاظ ببينته وتطوير نواته العقائدية لتصبح اكثر مرونة، في مناخ من الصراع الشرس والعدواني بين الفصائل المنافسة. فلقد تمكنت من إجراء تبدلات عميقة في تكتيكاتها دون ان تفقد توجهاتها العقائدية والعسكرية الأساسية. 

نعتقد ان الاستراتيجية والتكتيكات العسكرية التي سمحت لهذه المجاميع بالبقاء ضمن مناخ من التنازع الشرس، تشمل التكيف التنظيمي الهرمي المرن، والتماسك العقائدي الواضح، إضافة لنظام تمويل وتجنيد فعال، واستراتيجية دقيقة للحفاظ على المقاتلين الأساسيين، والحفاظ على الروح المعنوية من خلال الأيديولوجية والهوية المشتركة، إضافة للقدرة على التكيف التنظيمي وتغيير الأسماء حسب تبدلات الحال الاستراتيجي. لنستنتج ان هذه التكتيكات لا تزال هي المعتمدة في مرحلة التمكين والهيمنة. 


استراتيجيات حل الميليشيات وانشاء الجيش السوري الجديد.


تحديات بناء الجيش السوري الجديد:

تحول جيش السوري للنظام السابق إلى جهاز قمع هدفه الاحتفاظ بسلطة الأسد، وإثر الثورة السورية، فقد بشكل كامل قاعدته الوطنية والمجتمعية والتنموية.  

استهدفنا في عرضنا هذا التمييز في طريقة التعاطي مع كل من المجموعات الثلاث للقوى الميلشيوية المتواجدة في سوريا. ذلك ان ثمة معضلات خاصة لكل من المجموعات 


أولا حل ودمج الميليشيات الإسلامية الجهادية ذات الأجندة السورية: 


تتطلب مقاربة بناء الجيش إطارا شاملا يعالج الجانب الولائي والعقائدي والإصلاحات الهيكلية ودمج الفصائل المسلحة المتنوعة. لتبدو تلك القضية المركزية لانتقال الميليشيات الولائية العقائدية لحالة الجيش الوطني والخاضع بالكامل لإدارة مدنية منتخبة. 

في هذا السياق لابد من الإجابة على عدد من الأسئلة الرئيسية: 1. هل يجسد الجيش في وضعه الحالي سمات الحقيقة للشعب السوري؟ وهل يتبنى نظرة وطنية جامعة" وهل يتمتع بالقدرة والامكانية المطلوبة للحفاظ على مخرجات العملية السياسية وتعزيزها، وخلق ظروف الاستقرار وتعزيزها؟ 


يشكل نموذج الدولة المحتمل العامل التأسيسي الحاكم في نجاح هذا التحول. 

فثمة نموذجين محتملين للدولة والاقتصاد الوطني: 

الأول نموذج حكم الرأسمالية الوطنية المستندة على إطلاق طاقات القطاع الخاص المنتج للخيرات المادية وللخدمات، والقطع نهائيا مع تجربة المحسوبيات ورأسمالية الدولة الاحتكارية الفاسدة. 

الثاني: نموذج يجسد العودة لرأسمالية الدولة الاحتكارية الفاسدة لتحول الجيش السوري من جديد إلى  أداة لحماية مراكز القوة المحسوبية، تحت غلاف نظام أوليغارشي فئوي يكرس حالة الدولة الفاشلة. 


إعادة الاصطفاف الأيديولوجي: من الناحية العقائدية، وبحسب الوثائق المتوفرة تحاول الحكومة السورية ضبط عملية بناء الولاء في الجيش الجديد علي أساس عقائدية إسلامية سلفية، وتبني عصبيتها الداخلية على سرديتها التاريخية وعلى تكريس عقدة المظلوميات الصارخة انتجتها السياسات الوحشية للنظام السابق. 

تتوفر لدينا نسخ متعددة ومحدثة للمناهج التي تدرس في المراتب الدنيا والعليا لإعداد الجيش السوري الجديد، و تؤكد هذ النماذج طبيعة التثقيف الثقافي والعقائدي السائد، الامر الذي يضع تحديات إضافية امام إقامة جيش وطني مبنى علي الولاء الوطني بعيدا عن التيسييس، وأمام تحويل الجيش لمؤسسة محايدة تخضع بشكل كامل للمصلحة الوطنية العليا، وتتجذر في المجتمع بكل مكوناته خدمة لعملية بناء الدولة الوطنية. ويشمل هذا التحول بالطبع إزالة أي مستوى من التلقين السياسي خارج مبادئ الولاء المطلق للوطن ولدستور بدلا من الولاء لحزب أو زعيم.

تصفية الموارد المالية والبشرية منظومات الولاء الميليشيوي: لصالح ميزانية شفافة تضمن حياة كريمة وثابتة للمقاتلين لضمان تحصينهم من الحاجة. 

الرقابة المدنية: ضرورة انشاء آليات راسخة للسيطرة المدنية على الجيش، بما في ذلك الرقابة الملية والتشريعية والسلوكية وضمان عمليات التعيين الشفافة للمناصب العسكرية العليا.

الإصلاحات الهيكلية والتنظيمية دمج الفصائل المسلحة: تطوير عملية واضحة وشفافة لدمج الجماعات والميليشيات السابقة. ويشمل ذلك إجراءات التدقيق والتدريب الموحد وإنشاء هيكل قيادة موحدة فعلا.

الاحتراف والتدريب: تنفيذ برامج تدريبية شاملة لغرس الاحترافية والانضباط والالتزام بالقوانين الإنسانية الدولية لدى العسكريين.

تحديث العقيدة العسكرية: التحول من عقيدة تتمحور حول حماية النظام إلى عقيدة تركز على الدفاع الوطني ووحدة الأراضي وحماية حقوق المواطنين وبناء السلام. 

مساءلة والعدالة الانتقالية: يقول الكاردينال العظيم ديزموند توتو في العدالة الانتقالية: "من دون تسامح لا يوجد مستقبل الي منا". إنشاء آليات للتصدي لانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبت فيك أرجاء البلاد، وضمان المساءلة، وتعزيز المصالحة.

المراقبة والتحقق: إشراك المنظمات الدولية في مراقبة دمج المقاتلين السابقين والالتزام بمعايير حقوق الإنسان داخل الجيش.


يطرح حل ودمج مجاميع المقاتلين الأجانب في الجيش السوري مشكلة معقدة ونوعية:

  • مدى تخلي هذه المجاميع عن اجنداتها الدولية والإقليمية، خاصة ان منظومة الولاء للجيش السوري الجديد لم تنضج ولم تتضح عقائديا وسياسياً، ولم ترسم عقيدة الجيش الجديد بعد في إطار وطني جامع، بل لا تزال تستند بقوة لمنظومة ولاء إسلامية متشددة استمرار للتوجه العقائدي السابق "لهيئة تحرير الشام" المنحلة  

  • مدى استعدادها للعيش في مجتمع، له تصورات نموذجه المتحضر للإسلام المنفتح، يعيش حياة مدنية متحضرة منذ عقود طويلة. 

  • مدى ارتباط هذه المجاميع بنمط ومصادر تمويلها السابقة 

  • مدى انصياعها للقرار السياسي المدني، الذي يفترض يسود على القرارات العسكرية في الدولة السورية الحديثة. 

يتضح مما سبق انها رغم تبني الحكومة الراهنة لمبدأ ادماج هؤلاء المقاتلين في الجيش السوري، ورغم الدعم الأمريكي البائن لهذا التوجه، يبدو ان دمج المقاتلين الأجانب محفوف بالمخاطر، ولابد ان يتضمن عمليات تأهيل عقائدي وكهني حيادية وكثيفة، لمنع إعادة علاقاتهم بالمنظمات الجهادية السابقة، وإلغاء تهديهم لدول المنشأ.  


ثانيا حل ودمج الميليشيات الإسلامية الجهادية ذات الأجندات الاقليمية والدولية:

نعتقد انه في حال توفر بنية جدية لبناء جيش احترافي يستند لإجماع وطني شامل، وفي حال توفر الدعم الإقليمي والدولي المناسب، من الممكن تحقيق تعاون فعال في تصفية هذه الميليشيات، وتجفيف مواردها وسحب قاعدتها الاجتماعية. 


ثالثا القوات الممثلة للمكونات العرقية والاثنية والعشائرية والمدنية المختلفة. 

توكد جميع هذه المكونات رفضها القاطع لاي نوع من تقسيم البلاد. وبشكل عام، تطالب هذه المجاميع بدولة لا مركزية-جغرافية، والاعتراف بحقوقها الثقافية والقانونية والاقتصادية تحت سقف الوحدة الوطنية. ومن الناحية العملية، تطالب هذه المكونات باستبدال الإعلان الدستوري الحالي بإعلان دستوري جديد يحقق مطالبها في بنية لا مركزية ويحضن وحدة البلاد ويستبعد إمكانية نشوء حكم شمولي أصولي يستند للإسلام السياسي. 

بالنسبة لجمهورها فان خلق شعور بالأمان والاستقرار وسيادة القانون وإلغاء كل اشكال التمييز تجاهها هي شروط أساسية لهذه المطالب الت يتشكل مبرر وجودها. 

تبدو هذه المقاربة كالسهل الممتنع!، الذي ان تحقق يصبح الحلقة المركزية فيح ضمان كل الحلقات اليت ذكرناها أعلاه بما في ذلك تمتين الوحدة الوطنية، وضمان انتقال سلمي سلس من حالة الميليشيات لحالة الجيش الوطني الجامع وضمان السلم الأهلي ومجابهة القوى الجهادية الإرهابية، ودرء مخاطر التدخل الخارجي الذي يراهن علي الاستثمار في النزاعات البينية بين السوريين، وفتح الطريق للتعافي الفعال وإعادة الاعمار والتنمية والاستقرار في البلاد.

فكم من الأسهل علي السوريين ان يتصالحوا فيما بنيهم، قبل ان يسعوا للمصالحة مع القوى الإقليمية المحيطة بهم والتي طالما راهنت على تفكيك بلادهم. 


سوريا الجديدة في محيطها الإقليمي والدولي


في السياق الجيو-استراتيجي الراهن، تشكل السيطرة على سوريا الحلقة الأساسية في رسم ملامح الإقليم وتحديد مستقبلة، وتحديد مصير عملية التعافي المجتمعي والاقتصادي والدولتي السورية، والسير بها نحو الإصلاح والتنمية. 


اننا نثق ان الخيار الأسلم والوحيد لسوريا، هو ان تكون سوريا الجديدة سيدة تماماً على أراضيها، وان تعمل على خروج منسق لكافة القوات الأجنبية من البلاد. سيادة تستبعد كل أنماط الولاء داخل الجيش للخارج، لتكون المصلحة الوطنية السورية الحاكم الوحيد للسياسات العسكرية والأمنية. 

لخصنا في بداية المقال حقيقة الخيارات المتاحة للقيادة السورية لإنقاذ البلاد من المخاطر الخارجية الماحقة المتربصة بالبلاد. ذلك ان بعض دول في الإقليم، لا تزال تتعامل مع سوريا كساحة للصراع الإقليمي، وتتربص كي تتسلل من خلافات السوريين وكي تستثمر في حال عدم اليقين الشديدة السائدة في البلاد. لتجعل منها مرتعا للاستثمار في تفكيك البلاد. بل انها تستعد من جديد للدفع بالمزيد من الميليشيات لتعود سوريا مكسر عصى تفرغ فيها المنطقة والعالم صراعاتها. 

لذلك لن يكون لسوريا الا ظهيرها العربي الذي يشاطرها المصير، ويشكل حاضنة وقاطرة التنمية والاستقرار والسلام في الاقليم. 

بني الاتحاد السوفياتي ومن ثم وروسيا، الجيش السوري السابق، وشكل انهيار النظام والجيش خسارة لا تقدر بثمن بالنسبة لها، حيث كان الجيش السابق يشكل رصيدا لا يعوض بالنسبة للدور الروسي في الاقليم. 

من هذا المنطق ستكون التحالفات العسكرية السورية عاملا جوهريا حاكما في رسم مصير البلاد وتموضع سوريا في المنطقة. ذلك ان الجهة التي ستتولى إعادة تدريب وتسليح وتأهيل الجيش السوري هي الجهة التي ستعطي البعد الاستراتيجي لإعادة التموضع الاستراتيجي السوري في الاقليم.

وهذا ما تدلنا عليه لتجربة التاريخية! 

فمنذ أربعة آلاف عام وبخاصة منذ استقلال سوريا الحديثة، كان المنحى الذي تتخذه سوريا والتحالفات المركزية التي تنشؤها، هي الحلقة الرئيسية في رسم الحراك السياسي والاقتصادي في بلاد الشام بأسرها (وأحيانا في العراق)، لتنعكس الخيارات السورية بشكل حاكم علي المشرق العربي شرق المتوسط بأكملها.  


تدرك هذه الحقيقة تمامًا، مختلف القوى الاستراتيجية الإقليمية، كما تدركها في الداخل السوري، على حد سواء، القوى الإسلامية الجهادية، بقدر ما تدركها القوى المدنية والسياسية العاملة علي تأسيس للجمهورية السورية الجديدة. 


عند هذه النقطة يتمحور الصراع حول السياسية الخارجية السورية، ما بين المشروع الإسلامي الجهادي والبعد الاستراتيجي الخليجي – العربي الذي اختار مسار التنمية والسلام الإقليمي والاستقرار. 


ثمة مؤشرات ان إيران لم تعد قادرة، وربما لم تعد راغبة لأسباب موضوعية وذاتية، بإعادة احياء تجربتها الكارثية في بناء الأذرع الإقليمية، واعتمادها  كأوراق تفاوضية مع الولايات المتحدة والغرب وإسرائيل. ذلك انها اكتشفت بعد الهزيمة المرة، انها ازهقت المليارات من الدولارات واهدرت مقدرات بشرية هائلة وأضاعت فرصا تاريخية كبيرة مع محيطها العربي، بسبب الاستثمار في هذه الأذرع الإقليمية ورعرعة الاستقرار في الإقليم. بل فشلت هذه الميليشيات في ان تكون مصدا، أو خط دفاع متقدم للأمن القومي الإيراني. فلقد ذابت قوة الأذرع بسرعة مدهشة. 

ورغم حقيقة التوقعات بأن إيران يمكن ان تستمر برعاية القوى المجتمعية السياسية التي تواليها في كل من العراق ولبنان، الا اننا لا نتصور انه سيكون من المجدي للمصلحة الوطنية الإيرانية استمرار الانفاق الأعمى علي أسوار ثبت انها تذوب كجدران من الملح، لحظة الازمة الحقيقية. 


من جهتها، تُعتبر تركيا نجما استراتيجيا إقليميا ودوليا صاعدا بقوة في ظل إعادة تموضعها كحلقة رئيسية استراتيجية للجناح الجنوبي للحلف الأطلسي الامر الذي رسخ دورها موضوعيا، سواء البوسنة او ليبيا او في الحرب الأوكرانية او في الحروب الأرمنية الأذرية. لتتوج تركيا كل ذلك بنجاحاتها في عملية ردع العدوان التي اسقطت النظام السوري السابق. 

في حين أوضحت الدول العربية بجلاء في كل من مؤتمر العقبة والرياض تصوراتها لآفاق التعافي وإعادة البناء في سوريا، سيكون من مصلحة سوريا ان تتوافق تركيا علي وقف دعمها لأية قوة سورية مسلحة، باستثناء الجيش السوري الجديد، وضمن القرارات السيادية السورية. 

تتمتع تركيا حاليا بنفوذ استراتيجي حاكم في سوريا، وهي تحتاج لبلورة تصورات واضحة لآفاق تعاونها مع الدول العربية في بناء سوريا السلمية التعددية الديمقراطية الموحدة. 


تتناقض تقديرات مراكز الابحاث الإسرائيلية حول مصلحة إسرائيل في تحولات الوضع في سوريا. 

من الواضح انها تعمل على تحقيق اكبر المكاسب الاستخبارية والعملياتية الممكنة في لحظة الضعف الراهنة، مستفيدة من ضغطها العسكري ومن الضغط الأمريكي الوازن في هذا السياق. 

ومن هذا المنطق، نستطيع القول ان التعامل الإسرائيلي الحالي مع سوريا سيبقى امنيا تكتيكيا وليس سياسيا استراتيجيا في المدى المنظور. 

لكن علي المستوى الاستراتيجي تعكس مراكز دعم القرار الإسرائيلية علي مختلف مشاربها، حقيقة ان إسرائيل رغم ركونها السابق "للشيطان الذي نعرف"- نظام الأسد، لكنها وجدت عدم قدرة النظام السابق على ضبط ساحته الداخلية، ومنع انتشار مختلف انحاء الميليشيات للبلاد زمرا خطرا جدا وغير مقبول إطلاقا بالنسبة لمصالحها. 


تتعامل إسرائيل، بالتالي، مع الوضع الراهن من ذات المنطق. فهي تفضل سيناريو دولة سورية موحدة ومسالمة، ضعيفة عسكريا، متماسكة وتنأى بنفسها عن الميليشيات الجهادية وتكون قادرة علي ضبط مكوناتها لتكون دولة مستقرة. 

لكن إسرائيل تحتفظ بكل خياراتها مفتوحة، فيما لو تبين ان سوريا ستعود من جديد لحالة من عدم الاستقرار قد تفتح أراضيها لشتى القوى الميليشيوية الجهادية. 

عندها ليس لدينا من شك انها ستعمل لدرء المخاطر بيدها مباشرة علي الأراضي السورية ودون اللجوء للتهدئة عبر القوي المهيمنة علي البلاد. ذلك ان إسرائيل باتت تعمل من منظور جديد تماما. وما عادت تقبل برهن امنها القومي لتوافقات استخبارية من تحت الطاولة لإدارة حرب باردة مع دول اقليمية عقائدية تجعلها موضع ابتزاز هذه الدول. 

بذلك يبدو انها لن تسمح بنشوء تحالفات سورية قائمة على العصبية الدينية التي ستتحول حتما لتهديدات غير متناظرة لأراضيها. 


وبعد زيارة ترامب للرياض ولقائه بالرئيس الشرع، وبعد رفع العقوبات الامريكية، تقترح أوساط عربية ودولية عديدة، ان إدارة ترامب قد اختارت الخيار العربي بالتوجه بسوريا الجديدة نحو الاستقرار بعيدا عن مشاريع الإسلام السياسي.

بذلك يبدو جليا ان البعد العربي هو الممر الإجباري الآمن الوحيد لسوريا الجديدة. 

انه الفرصة الوحيدة لتحصين سوريا من محاولات قوى إقليمية ودولية عديدة للاستثمار وتأجيج كل تشقق في بينتها الداخلية، وإذكاء مشاعر الانتقام والطائفية، علها تعيد تحويل سوريا لثقب أسود تفرغ فيها المنطقة كل تناقضاتها وصراعاتها وعقائدها من جديد.  

فهل ينجح السوريون في اجتراح معجزة جديدة لبناء وطنهم وجيشهم ومجتمعهم وتحقيق غد ممكن لهم ولأولادهم؟ 

انه تحد منوط بالحكومة السورية بالطبع، لكنه منوط، بذات القدر، بكل السوريين على مختلف مشاربهم! 

 

 
 
 

تعليقات


© 2020 مجموعة إنسايت الاستشارية

  • LinkedIn Social Icon
  • Twitter Social Icon
bottom of page