top of page
بحث

صراع الهويّة السوريّة ولعنةُ الصراعات العقائديّة

  • صورة الكاتب: sara john
    sara john
  • 25 يوليو
  • 4 دقيقة قراءة
ree

الأصدقاء الأعزاء هذا المقال محصور بالمشتركين ونظراً لكونه متعلقاً بالشأن السوري أرسل لكم نسخة عن النص للاطلاع

لم يقتل قابيل هابيل باسم الشيطان، بل بسم الله!

سمير التقي،يقول "نتشة": "احذر، وانت تصارع الوحوش أن تصير وحشاً مثلها". ومن محاكم التفتيش، إلى الحروب الصليبية، مروراً ببشار الأسد وداعش، إلى نتانياهو، لا تُرتكب الجرائم باسم الشرّ المعلن، بل باسم الحق المقدس، والرسالة الخالدة والتقرب من الله.منذ بداية الثورة الزراعية، كانت سوريا، الواقعة على خطوط اشتباك الكتل الاستراتيجية الكبرى، ساحة أو شريكاً في صراعاتها.فحين تضعف سوريا، يصبح الصراع عليها، وحين تقوى، تصبح نداً وشريكاً في توازن القوى، بل يصير ثراؤها البشري والفكري حاضناً لعشرات الأنبياء والعقائد، بدأ من الديانات السماوية، ووصولاً للفكر القومي. وفي كل مرة نفضت سوريا العصبيات العقائدية، وانفتحت نحو الحرية الفكرية والفلسفية والدينية، صعدت على جبين التاريخ، لتصير بؤرة انصهار ثقافي مهول. وحيثما انكفأت على العصبية وظلام الفكر، يبست واضمحلت، لتصير بوراً لأهلها وللعالم.

لكن، تعود لعنة الصراعات العقائدية، لتحبط كل رخاء سوري، وتلفظ سوريا زبدة خيراتها ونخبة أهلها نحو المهاجر، كل جيل أو بضع أجيال. وإذ يطيب التفاخر لأهل الشام بالنجاحات العظيمة لأبنائهم في المهاجر، يستبطن فخرهم، فشلهم المدقع والمُذري في بناء وطنهم وهويتهم كقوم سوري متحضّر، مزدهر. وبعد أن كانت سوريا مهد إبداعات حضارية هائلة، من القمح، للزجاج والخزف ولميكانيكا الساعات وفولاذ السيوف الدمشقية، وبعد أن دحرتها الحروب العقائدية المؤبدة، طفش صُنّاعها ومفكروها، من أصقاع روما والأندلس إلى الصين.

والجديد أيضاً أن سوريا صارت بعد تحريرها من ربقة الأسد، في أضعف أطوارها، وأوهم لحظات سيادتها الوطنية. ليهدد صراع "الكل ضد الكل" مصيرها، بل وجودها كدولة الخديجة. إذ لم يترك نظام الأسد رابطة وطنية إلا وفككها، ولا عقداً اجتماعياً وثقافياً إلا ومزّقه. والجديد أيضاً أن جاهلية العصبية الطائفية صارت هوية مسلّحة قاتلة. والجديد أيضاً أن الكتل الاستراتيجية الدولية والإقليمية تتلاطم الآن بقوة كاسحة حول سوريا.

فعلامَ يتقاتل السوريون؟إنهم يختلفون على نموذج الدولة الراهن! يختلفون على نموذج دولة تفرضه هيئة تحرير الشام، كقائد عقائدي سلفي جهادي انتقامي لا يقبل الاختلاف مع السنة أولاً، بل يريد فرض نموذجه على المجتمع بكل مكوّناته.هذا هو المضمون العملي للإعلان الدستوري الراهن، الذي يرفضه كثير من السوريين بل يرفضون أن تصير السلفية الجهادية عقيدة للبلاد، وجوهر التثقيف والولاء للجيش والأمن. لتصبح قنابل موقوتة تنفجر الواحدة تلو الأخرى.

القوم الأغلبي السني المديني هو لا طائفي بالتعريف! بل إنه يعرف نفسه تاريخياً بتديّنه الأشعري أو الصوفي أو قل ما شئت من مذاهب سنية حضارية منفتحة. إنه لم يعرف وطنيته يوماً بالطائفية، حتى تحت مذبح الأسد.بل يقف هذا القوم الأكثري المديني وفي مقدمتهم السنة مع المواطنين من كل الطوائف والإثنيات والانتماءات المدنية والعلمانية السورية، معاً ضد استباحة الدم السوري وضد التجييش العقائدي الأعمى كأساس للولاء للدولة.فبدلاً من أن يتم السعي لفتح حوار وطني يؤدي لتوافق طوعي يعيد السلم الأهلي، ها هو الجنون الطائفي يستعر ليقطع أواصر العيش المشترك وهو أكثر ما تنتظره قوى خارجية كثيرة.وفيما تُطرَد كل معالم التحضّر الوطني السوري الجامع، ويُلغى أبو العلاء المعرّي وأبو فراس الحمداني ونزار قباني وبدوي الجبل من المناهج وتُهدَم تماثيلهم في المدن السورية، يتسامى القوم الأكثري المديني الجامع لكل الطوائف، على الملل والنّحل ويرفض السلفية الجهادية الأحادية، حتى ولو كانت تستند لمظلومية الأكثرية.لا يمكن لجماعة عقائدية، تستند إلى السلفية الجهادية الانتقامية، إخراج البلاد من هذه المحنة. فلقد آثرت هذه القوى ذاتها، تقسيم فلسطين والسودان وليبيا ولبنان والعراق على أن تتخلّى عن مشروعها العقائدي.وبغضّ النظر عن تحوّلات الأفراد ومصالحهم، لا يصدّق السوريون أعجوبة لن تحصل قبل في التاريخ من إمكان ترويض الجماعات بأسرها لتغيير عقيدتها وتتصدر بناء دولة مدنية، حتى لو تبنّتها كل قوى الأرض.ثم إن مستوى وهن البلاد وفقر أهلها وانهيار بنيتها لا يتيح ترف الاقتتال والدماء، بل سينتج تفككاً نهائياً للبلاد أكثر بكثير مما فعل الأسد.ألا لعن الله كل المقاتلين الانتقاميين، إلا من ذاد عن داره وأرض أهله. وإزاء المذابح الجماعية، لا يبقى ثمة طواطم، ولا ثمة قوة محرّمة، ولا حميدة أو خبيثة.

بعد الغزوة الحمقاء ضد أهلنا في السويداء وبعد هياج "الحشد الشعبي" العشائري، الذي طالما استوكله الإيرانيون والروس وقوات الأسد، لم يعد ثمة أمل أن يسلّم أحد سلاحه حتى بالقوة، لا شرق الفرات، ولا حتى في حلب وحماة.

توجد 14 قوة دولية حكومية وغير حكومية على الأراضي السورية، سيكون من الحماقة الرهان على الغلبة العسكرية الواهية لتوحيد البلاد. إنها سذاجة ثورية من نمط جديد! فما بين التسييد الإسرائيلي والصعود التركي والتربص الروسي والترقب الإيراني تنخرط أمريكا وأوربا لضبط خصومة وكلائها! فتتشابك الرماح الإقليمية صراعاً على حصص حروب الطاقة، وحروب خطوط التجارة، وحروب الممرات البحرية، وحروب التفويض الإقليمي.

وثمّة من يعتقد أنه لو سار في منطق القوة ضد مواطنيه سيفوز بتفويض إقليمي أو دولي. ويا لها من سذاجة متكررة.

بل سار بعضهم للتنازل للغرباء أجمعين – "انصرونا، نضمن مصالحكم". ليصبحوا مثل تاجر العقارات الذي يبيع الأرض عدة مرات كيف يفوز بالعربون وبعدها فليأتِ الطوفان. كل ذلك، لأنهم لا يتصورون تقاسم السلطة في الوطن عبر شراكة حقيقية مع الجميع.

أمام هذا السعار الطائفي الطاغي، يصفق الأتراك والإيرانيون والإسرائيليون والروس والأمريكان: "اذهبوا وقاتلوا واقتلوا أقرانكم السوريين، وبعدها نتفاهم"! إنهم لا يرون في السوريين إلا رعاعاً وزعراناً وحمقى عقائديين! ولن تكون العصبيات الطائفية، كبرت أم صغرت، إلا طريقاً لتأبيد القتل والفشل الوطني.

هل السوريون قادرون على العيش المشترك؟ هل تبقى سوريا؟ تفضّل القوى الكبرى سوريا مضبوطة بالاستبداد أو التوافق. وكانت تلك سياساتها تجاه الأسد، طالما استطاع ضبط البلاد والتوافق معهم. وإلا فليسقط.

فإن بقيت سوريا موحّدة يسودها السلم الأهلي، استبداداً أو توافقاً، فسيسعون لإدماجها في خرائطهم. وإن لم تتمكن فليقتطع كل طرف قطعة منها، وليبقَ الصراع بين السوريين مؤبّداً، وفخار يكسر بعضه.مع كل قطرة تسيل من دم سوريا تُستنفد فرص العيش المشترك، ويتلمّظ الجيران والمتدخلون، لإذكاء نار التطهير العرقي.

فليتحرّك السوريون لإنقاذ وحدة البلاد في رمقها الأخير، وإلا "فأنت إن أطلت التحديق في الهاوية خوفاً من السقوط فيها، فسُرعان ما تأتي الهاوية إليك". لمشاهده المقال بالكامل من خلال الرابط https://annah.ar/232716

 
 
 

تعليقات


© 2020 مجموعة إنسايت الاستشارية

  • LinkedIn Social Icon
  • Twitter Social Icon
bottom of page